أقول : قد مرّ أنّ المراد من إنزال جبرئيل تفسيره حين إنزالها ( خير أمّة ) بالأئمّة ، لا وقوع التّحريف فيها ، وعليه تحمل سائر الرّوايات.
وعن القمّي رحمهالله عنه عليهالسلام أنّه قرئ عليه ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ فقال [ أبو عبد الله عليهالسلام : « خير أمّة ] يقتلون أمير المؤمنين ، والحسن والحسين عليهمالسلام ؟ ! » فقال القارئ : جعلت فداك ، كيف نزلت ؟ فقال : « نزلت ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ﴾ أئمّة ﴿أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ ألا ترى مدح الله لهم : ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾(١) .
وعن ( المناقب ) : عن الباقر عليهالسلام أنّه : « خير أمّة (٢) بالألف ، نزل بها جبرئيل ، وما عنى بها إلّا محمّدا وعليّا والأوصياء من ولده » (٣) .
قال بعض العامّة : لو شاء الله تعالى لقال : ( أنتم خير أمّة ) حتّى يشمل جميع الامّة إلى يوم القيامة ، ولكن قال : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ ليختصّ بالمخصوصين ، وقوم معيّنين من أصحاب الرّسول صلىاللهعليهوآله ؛ وهم السّابقون الأوّلون.
وروي من طريق عامّيّ عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس رضى الله عنه : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ الّذين هاجروا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المدينة (٤) .
وعن الضّحّاك : أنّهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله خاصّة (٥) .
أقول : لا ريب أنّ المراد من ( الأمّة ) في الآية ليس جميعهم إلى يوم القيامة ، ولا جميع الحاضرين في زمان الخطاب من الصّحابة ، للقطع بفسق كثير منهم ؛ كأبي سفيان ومعاوية. ولا دليل على تعيين خصوص المهاجرين ، بعد القطع بعدم إرادة المعنى الحقيقي وهو العموم ، فلا بدّ من حملها على المتيقّن وهو أمير المؤمنين ومن يحذو حذوه.
في بيان عدم حجية الاجماع إلّا بموافقة رأي المعصوم
وقال الفخر الرازي في تفسيره : احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ إجماع الامّة حجّة (٦) .
وفيه مضافا إلى منع الدّلالة : أنّ المراد إن كان اتّفاق جميع الامّة - كما هو ظاهر اللّفظ - فنحن نقول به ، لكن لا من حيث الاتّفاق ، بل لوجود الإمام المعصوم الذي هو أفضل الأمّة فيهم. وإن كان المراد اتّفاق بعضهم ، فمع أنّه ليس بإجماع حقيقة [ فانّ ] إرادة خصوص أهل البيت - الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إنّهم حبل الله » (٧) ،
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ١١٠ ، تفسير الصافي ١ : ٣٤٢.
(٢) في المصدر : أنتم خير أمّة اخرجت للنّاس.
(٣) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٤٣.
(٤) تفسير أبي السعود ٢ : ٧١.
(٥) تفسير أبي السعود ٢ : ٧١.
(٦) تفسير الرازي ٨ : ١٧٨.
(٧) كتاب سليم بن قيس : ١٣٤.