ومن جهة أخرى أنّ النصّ الأوّل يؤكّد بأنّ ما أُشيع عن زيد بن ثابت وأنّه جمع القرآن على عهد أبي بكر هو غير صحيح أيضاً ؛ لأنّه لو كان قد جمع القرآن على عهد أبي بكر لما اقترح الأنصار على عمر بجمع القرآن ثانية ، ولما اتّهمهم عمر باللّحن ؛ لأنّ القرآن كان قد جمع بيد أنصاريٍّ منهم ، وفي زمن سابق على زمن عمر.
أمّا النصّ الثاني فهو يخالف ما جاء عن أبي العالية من أنّ الجمع كان في خلافة أبي بكر ، إذ الرجال كانوا يكتبون ويملي عليهم أُبيّ بن كعب ، فلمّا انتهوا إلى هذه الآية (ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَيَفْقَهُونَ)(١) ظنّوا أنّ هذا آخر ما أُنزل من القرآن ، فقال لهم أبيّ : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد أقرأني بعدهنّ آيتين (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لاَإِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) قال : فهذا آخر ما أُنزل من القرآن ، فختم الأمر بما فتح به ، لقول الله جَلّ ثناؤه : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)(٢).
فهذا النصّ يؤكّد بأنّ الوقوف على الآية : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) كان في زمن أبي بكر لا في عهد عمر.
__________________
(١) التوبة : ١٢٧.
(٢) الأنبياء : ٢٥. والخبر في مسند أحمد ٥ : ١٣٤.