على محل (بِرُؤُوسِكُمْ) لأنّه مفعول لقوله : (وَامْسَحُوا) ، وعلى قراءة الجرّ منصوب على ظاهر (بِرُؤُوسِكُمْ) وأمّا السنّة فالقراءة الرائجة هي النصب فقالوا بأنّه معطوف على قوله : (وُجُوهَكُمْ) وهذا هو الذي ردّ عليه الوزير بوضوح وقال : «وقد أجاز قوم أن يكون النصب عطفاً على قوله : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وهذا إنّما يجوز شبيهه في الكلام المعقّد ، أو في ضرورة الشعر ، وما يجوز على مثله هُجنة العيّ وظلمة اللبس ، فأمّا القول العربي المبين ، المتميّز بالبلاغة عن فصاحة العالمين ، فلا يجوز أن يأتي فيه جملة طويلة كاملة متعلّقة بمعنى يخصّها ، ثمّ تأتي جُملة أُخرى طويلة كاملة بمعنى يخصّها ، فنعطف من آخر الجملة الثانية شيئاً على أوّل الجملة الأُولى»(١).
إلى أن قال : «ولم يبق إلاّ أن يكون هذا التنزيل منسوخاً بالسنّة فقد بلغني عن الشعبي أنّه قال : جاء القرآن بالمسح والسُنّة بالغسل وعلى أنّه قد حدّثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن يزيد الحلبي عن أبي بكر محمّد بن زيّاد النيسابوري في كتاب الزيادات أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح ولم يغسل ، والكتاب معروف والحديث فيه موجود وكذلك في كتاب الوضوء لأبي عبيد القاسم بن سلاّم ، وبالله التوفيق»(٢).
أقول : إنّ القول بأنّ المسح قد نسخ بالسنّة أمر غير صحيح لأنّ سورة المائدة آخر ما نزل على الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وقد قال غير واحد من المحقّقين أنّه لم ينسخ شيء منها ، ومن عجيب الأمر أن ينزل الوحي لتعليم الوضوء للناس ثمّ
__________________
(١) المصابيح : ٣٦٧.
(٢) المصابيح : ٣٦٨.