وأمّا خدماته الجهادية في العهد التركي ثمّ في العهد الفرنسي ثمّ في أيّام الاستقلال كانت امتدادا لحركات التحرير ، لم يكابد نارها إلاّ أفذاذ من الزعماء وقادتهم ، ممّن أبلوا بلاءه وعانوا عناءه.
وقد فاجأته سلطة الاحتلال الفرنسي حين ضاقت به ذرعاً ، إذ أوعزت إلى بعض جفاتها الغلاظ باغتياله واقتحم ابن الحلاّج عليه الدار في غرّة وهو بين أهله وعياله دون أن يكون لديه أحد من أعوانه ورجاله ، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد له غير ما أرادوا ، فكفّ أيديهم عنه ، ثمّ تلا هذا الحادث أحداث أدّت إلى تشريد السيّد بأهله إلى دمشق ، وقد وصل إليها برغم الجيش الفرنسي الذي كان يرصد عليه الطريق وحين يئسوا من القبض عليه عادوا فسلّطوا النار على داره في (شحور) ، وكان أوجع ما في هذه النكبة تحريقهم مكتبة السيّد بكلّ ما فيها من نفائس الكتب ، ومنها تسعة عشر مؤلّفاً من مؤلّفاته كانت لا تزال خطّية إلى ذلك التاريخ.
ثمّ غادر السيّد دمشق إلى فلسطين ومنها إلى مصر بنفر من أهله وكانت له مواقف في مصر وجّهت إليه نظر الخاصّة من شيوخ العلم ، وأقطاب الأدب ، ورجال السياسة ، على نحو ما تقتضيه شخصيّته الكريمة ، ولم يكن هذا أوّل عهده بمصر فقد عرفته مصر قبل ذلك بثمان سنين ، حين زارها في أواخر سنة تسع وعشرين ، ودخلت عليه فيها سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف هجرية ، في رحلة علمية جمعته بأهل البحث ، وجمعت به قادة الرأي من علماء مصر وعقدت فيها بينه وبين شيخ الأزهر يومئذ ـ