وجودها بين أهل المدينة مهيّجٌ الخواطر ، وأنّها فصيحةً عاقلةٌ لبيبةٌ ، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثار الحسين عليهالسلام ، فلمّا وصل الكتاب إلى يزيد وعلم بذلك ، أمر بتفريقهم في الأقطار والأمصار ، فاختارت السيّدة زينب الإقامة بمصر طلباً لراحتها ، واختار بعض أهل البيت بلاد الشام ، فعند ذلك جهّزهم ابن الأشدق ، فخرجت السيّدة هي ومن معها من أهل البيت ، وفيهم سكينة بنت الحسين عليهالسلام وأختها فاطمة ، فلمّا اتّصل خبر ذلك والي مصر إذ ذاك وهو مسلمُ بن مخلد الأنصاري(١) توجّه هو وجماعة من أصحابه ، وفي صحبتهم جملة من أعيان مصر ووجهائها إلى لقائها ، فتلقّوها من قرية بين طريق مصر والشام شرقي بلبيس (عرفت أخيراً بقرية العبّاسة نسبةً للعباسة بنت أحمد بن طولون) ، ولم يبق بالمدينة من جماعتهم إلاّ زين العابدين ، وأقام الحسن المثنّى بخارجها ، ووافق دخول السيّدة إلى مصر أوّل شعبان سنة (٦١ هـ) ، وكان قد مضى على الموقعة نحو ستّة أشهر وأيّاماً بما يسع مدّة أسفارها ، فأنزلها مسلمة بن مخلد هي ومن معها في داره بالحمراء القصوى ، ترويحاً لنفسها اذ كانت تشتكي انحرافاً ، فأقامت بها (١١) شهراً ونحو (١٥) يوماً من شعبان سنة (٦١هـ) إلى رجب سنة (٦٢ هـ) ، وتوفّيت رضیاللهعنها يوم الأحد ليلة الإثنين لأربعة عشر يوماً مضت من شهر رجب من السنة المذكورة ، وبعد تجهيزها وشهود جنازتها ، دفنت بمحلِّ
__________________
(١) هو أمير مصر لمعاوية ويزيد ، توفّي وهو وال لخمس بقين من رجب سنة (٦٢ هـ) بعد وفاة زينب بأيّام ، وقبره معروف بمصر إلى عصر هذا التاريخ. (منه رحمهالله).