المخطوطة والمقابلة بينها ، ووضع الرموز ، ووصف النسخ ، وتثبيت المصادر والمراجع ، وإرجاع الأقوال ، وفي بداية القرن الخامس عشر الميلادي وتزامناً مع ظهور الطباعة بدأ الاهتمام من قبل الغرب بالتراث الإسلامي الذي كان يمثّل حاضرة من حواضر التمدّن وتراث غني بالعلوم الإلهية والطبيعية ، فظهرت حركة الاستشراق حيث أخذت على عاتقها قراءة النصوص في التراث الإسلامي ، إلاّ أنّ أكثر ما خرج على أيديهم يشوبه التصحيف والتحريف لجهلهم باللّغة العربية ، أو لأغراض أخرى نحن في غنى عن ذكرها في هذه العجالة ، ولا زالت أعمالهم تثير جدلا في الأوساط العلمية ، ومن أشهر المستشرقين في هذا المجال البارون دي ساسي (١٧٥٨ ـ ١٨٣٨م) ، وثيودور نولد كه (١٨٣٦ ـ ١٩٣٠م) صاحب كتاب (تاريخ القرآن) الذي أثار جدلا ، وكارل بروكلمن (١٨٦٨ ـ ١٩٥٦م) ، وجولدتسيهر (١٨٥٠ ـ ١٩٢١م) ، وبرجستراسر (١٨٨٦ ـ ١٩٣٣م) وغيرهم ، وقبل هذا بكثير تبنّى علماؤنا وعبر قرون متمادية حركة دؤوبة في هذا المجال ، وإن كان اسم المحقّق يطلق على الكثير من علمائنا في ذلك الزمان وكان المراد منه التحقيق بالمعنى الأعم ـ أي التحقيق العلمي ـ إلاّ أنّهم كانوا يمارسون عملية التحقيق العلمي التي تستبطن في طيّاتها نوعاً من أنواع التحقيق الذي نعهده اليوم بل أسمى أنواعه ، وقد أطلق هذا الإسم على العديد من علمائنا منهم : المحقّق الحلّي والمحقّق الأردبيلي والمحقّق الداماد والمحقّق الكركي وغيرهم ، وفي القرون المتأخّرة ومع بدايات تبلور حركة التحقيق في النسخ الخطّية والنصوص أخذ العديد من علمائنا بسبر غور هذا العلم ، فبذلوا جهوداً في مجال التحقيق ، وألّفوا في مناهجه وقواعده ، وحقّقوا أهمّ آثار التراث ، ووضعوا أسس التحقيق العلمي ، وعالجوا مشكلاته ، وذلّلوا صعابه ، وصحّحوا أخطاء النصوص تصحيفاً وتحريفاً ، وفتحوا مغاليق النصوص ، وجمعوا نسخ