وألقى الألواح » (١) .
﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ﴾ هارون وبشعره ﴿يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ عن الصادق عليهالسلام : « وذلك لأنّه لم يفارقهم لمّا فعلوا ذلك ، ولم يلحق بموسى عليهالسلام ، وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب (٢) . وقيل : إنّه جرّه إلى نفسه ليسّاره ويستكشف كيفيّة تلك الواقعة.
إذن اعتذر هارون و﴿قالَ﴾ استعطافا له : يا ﴿ابْنَ أُمَ﴾ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ﴿إِنَّ الْقَوْمَ﴾ لشدّة حرصهم على عبادة العجل ﴿اسْتَضْعَفُونِي﴾ واستحقروني ولم يعتنوا إلى قولي ﴿وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ إن منعتهم عنها ، ولم يكن لي من العدّة ما أقهرهم على تركها وأدفعهم عن نفسي ، ومع ذلك لم أقصّر في إنذراهم ووعظهم ﴿فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ﴾ بإظهار الغضب عليّ ﴿وَلا تَجْعَلْنِي﴾ في استحقاق العقوبة شريكا ﴿مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بعبادة العجل.
عن الصادق عليهالسلام : « لم يقل يابن أبي ؛ لأنّ بني الأب إذا كانت امّهاتهم شتّى لم تستبعد العداوة بينهم إلّا من عصمه الله منهم ، وإنّما تستبعد العداوة بين بني امّ واحدة » (٣) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنّه كان أخاه لأبيه وامّه » (٤) .
وقيل : إنّه كان أكبر من موسى عليهالسلام بثلاث سنين ، وكان حمولا (٥) ليّنا (٦) .
فقبل موسى عليهالسلام عذره وتلطّف به و﴿قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ ما صدر منّي من الغضب على هارون ﴿وَلِأَخِي﴾ هارون ما صدر منه من الإقامة في القوم ، وترك التّشديد على عبدة العجل ﴿وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ﴾ الواسعة والجنّة ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) )
ثمّ أعلن الله سبحانه بغضبه على عبدة العجل وسوء عاقبة عملهم الشّنيع بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ إلها ومعبودا لأنفسهم من دون الله ﴿سَيَنالُهُمْ﴾ ويصيبهم ﴿غَضَبٌ﴾ شديد ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ ومالك أمورهم. قيل : هو ما امروا به من قتل أنفسهم ﴿وَذِلَّةٌ﴾ وخزي ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ قيل : هو خروجهم من ديارهم ، وقيل : هي الجزية ﴿وَكَذلِكَ﴾ الجزاء الفظيع ﴿نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ علينا القائلين بأنّا شاركنا العجل في الالوهيّة.
__________________
(١) مجمع البيان ٤ : ٧٤١ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٣٩.
(٢ و٣) . علل الشرائع : ٦٨ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٤٠.
(٤) الكافي ٨ : ٢٧ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٤٠.
(٥) الحمول : الحليم الصّبور.
(٦) تفسير الصافي ٢ : ٢٤٠.