(يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ
الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا
فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٤٩) و (١٥١))
ثمّ أنّهم ندموا من عملهم الشّنيع بسعي هارون ومواعظه البليغة ﴿وَلَمَّا سُقِطَ﴾ رؤوسهم ﴿فِي أَيْدِيهِمْ﴾ وندموا. قيل : إنّ السّقوط في اليد كناية عن شدّة النّدامة ؛ لأنّ النادم يضع غالبا رأسه على يده (١)﴿وَرَأَوْا﴾ وتبيّنوا ﴿أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا﴾ عن الطّريق الحقّ بعبادتهم العجل حتّى كأنّهم لشدّة وضوحه عاينوه بأبصارهم ﴿قالُوا﴾ تحسّرا وندامة : والله ﴿لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا﴾ ويتفضّل علينا ﴿رَبُّنا﴾ بإنعامه ﴿وَيَغْفِرْ لَنا﴾ ويتجاوز عن خطيئتنا بكرمه ﴿لَنَكُونَنَ﴾ ألبتّة ﴿مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ والهالكين.
﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى﴾ من الميقات ﴿إِلى قَوْمِهِ﴾ حال كونه ﴿غَضْبانَ﴾ عليهم لعبادتهم العجل ﴿أَسِفاً﴾ شديد الحزن ، لأنّ الله فتنهم ، ثمّ وبّخهم و﴿قالَ :﴾ يا قوم ﴿بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي﴾ وساء ما عملتم ﴿مِنْ بَعْدِي﴾ وفي زمان غيبتي وذهابي إلى ميقات ربّي ، حيث عبدتم العجل وأشركتم بالله ، أو بعد ما رأيتم منّي التّوحيد ونفي الشّريك عن الله.
ثمّ لامهم على ترك انتظارهم رجوعه بقوله : ﴿أَ عَجِلْتُمْ﴾ وتركتم ﴿أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾ بتوحيده وحفظ عهدي وانتظار رجوعي ﴿وَأَلْقَى﴾ من يده ﴿الْأَلْواحَ﴾ وطرحها على الأرض من شدّة غضبه لله ، وفرط انضجاره من قومه حميّة للّدين.
روي أنّه لمّا ألقاها انكسرت فذهب بعضها (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنّ منها ما تكسّر ، ومنها ما بقي ، ومنها ما ارتفع » (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام : أنّه عرّف يمانيّ صخرة باليمن ، ثمّ قال : « تلك الصخرة التي التقمت ما ذهب من التّوراة حين ألقى موسى عليهالسلام الألواح ، فلمّا بعث الله رسوله صلىاللهعليهوآله أدّته إليه وهي عندنا ».(٤).
وروي أنّها كانت سبعة أسباع ، فلمّا ألقى الألواح تكسّرت فرفع منها ستّة أسباع وبقي سبع [ واحد ] ، وكان فيما رفع تفصيل كلّ شيء ، وفيما بقي الهدى والرّحمة (٥) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « رحم الله أخي موسى ، ليس المخبر كالمعاين ، لقد أخبره الله بفتنة قومه ، ولقد عرّف أن ما اخبر به حقّ ، وأنّه على ذلك لمتمسّك بما في يديه ، فرجع إلى قومه ورآهم ، فغضب
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ٨.
(٢) تفسير الصافي ٢ : ٢٣٩.
(٣) بصائر الدرجات : ١٦١ / ٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٣٩.
(٤) بصائر الدرجات : ١٥٧ / ٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٣٩.
(٥) تفسير الرازي ١٥ : ١١.