قيل : إنّ موسى عليهالسلام وعد قومه بالانطلاق إلى الجبل ثلاثين يوما ، فلمّا تأخّر رجوعه قال لهم السّامريّ - وكان رجلا من قرية يقال لها سامرة ، وكان مطاعا في بني إسرائيل ذا قدر - : إنّكم أخذتم الحليّ من آل فرعون فعاقبكم الله بتلك الخيانة ، ومنع موسى عنكم. وذلك أنّ بني إسرائيل كان لهم عيد يتزيّنون فيه ويستعيرون الحليّ من القبط ، فاستعاروا حليّ القبط لذلك ، فلمّا أغرق الله القبط بقيت تلك الحليّ في أيدي بني إسرائيل ، فقال لهم السّامريّ : اجمعوا الحلّي حتّى احرقها لعلّ الله يردّ علينا موسى (١) .
وقيل : سألوه إلها يعبدونه ، وقد كان لهم ميلا إلى عبادة البقر منذ مرّوا على العمالقة الّذين كانوا يعبدون تماثيل البقر ، فجعل السّامريّ الحلّي بعد جمعها في النّار ، وصاغ لهم من ذلك عجلا لأنّه كان صائغا ، وألقى في فمه ترابا أخذه من أثر فرس جبرئيل ؛ وكان ذلك الفرس فرس الحياة ما وضع حافره على شيء إلّا اخضرّ ، وكان قد أخذ ذلك التّراب عند فلق البحر ، أو عند توجّهه إلى الطّور ، فانقلب ذلك الجسد لحما ودما ، وظهر منه خوار وحركة ومشي ، فقال السامريّ : هذا إلهكم وإله موسى ، فعبدوه إلّا اثني عشر ألفا من ستمائة ألف (٢) .
وقيل : إنّه جعل ذلك العجل مجوّفا ، وجعل في جوفه أنابيب على شكل مخصوص ، وكان [ قد ] وضع التّمثال على مهبّ الرّيح ، تدخل من تلك الأنابيب ، فظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل ، فأوهم بني إسرائيل أنّه هو يخور (٣) .
أقول : هذا مخالف للقرآن والأحاديث.
ثمّ وبّخ الله بني إسرائيل على عبادتهم ذلك العجل وقولهم بالوهيّته بقوله : ﴿أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ﴾ بكلام البشر ﴿وَلا يَهْدِيهِمْ﴾ إلى الخير ﴿سَبِيلاً﴾ ولا يرشدهم إلى الحقّ طريقا ، مع أنّ الله يكلّم موسى عليهالسلام ويشرّع الشّريعة الموصلة إلى كلّ خير ، وهم مع الوصف لغاية جهلهم ﴿اتَّخَذُوهُ﴾ إلها وحسبوه خالقا معبودا ﴿وَكانُوا﴾ في عبادتهم تلك ﴿ظالِمِينَ﴾ على الله بتضييع حقّه وحطّ شأنه ، وعلى أنفسهم بتعريضها للهلاك.
(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ * وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما
خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ)
__________________
( ١ و٢ و٣ ) . تفسير روح البيان ٣ : ٢٤٢.