عن القمّي رحمهالله : إذا رأوا الإيمان والصّدق والوفاء والعمل الصّالح لا يتّخذونه سبيلا ، وإن يروا الشّرك والزّنا والمعاصي يأخذوا بها ويعملوا بها (١) .
﴿ذلِكَ﴾ الخزي والتكبّر والانحراف عن الحقّ حصل لهم ﴿بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا﴾ وكفروا ﴿بِآياتِنا﴾ الدالّة على الدّين الحقّ وسبيل الرّشد ﴿وَكانُوا عَنْها﴾ معرضين كأنّهم كانوا عنها ﴿غافِلِينَ﴾
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ (١٤٧) )
ثمّ بالغ سبحانه في تهديد عموم المكذّبين بآياته من الأوّلين والآخرين بقوله : ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ من التّوراة والإنجيل والقرآن ﴿وَلِقاءِ الْآخِرَةِ﴾ والحشر إلى دار الجزاء ﴿حَبِطَتْ﴾ وبطلت ﴿أَعْمالُهُمْ﴾ الحسنة التي عملوها مدّة أعمارهم في الدّنيا ؛ من صلة الأرحام ، والإحسان إلى الفقراء والأيتام ، وغيرها من الخيرات ، فلا يصلون بها إلى الصّواب ، ولا يتخلّصون بها من العذاب ، لاشتراط قبولها بالإيمان بالمبدأ والمعاد ورسالة الرّسل.
ثمّ نبّه سبحانه على أن عقوبته وخزيه إنّما يكون استحقاقهما بسبب سيّئات الأعمال ، لا للتشفّي وغيره من الأغراض ، بقوله : ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ﴾ هؤلاء المكذّبون جزاء ﴿إِلَّا﴾ على ﴿ما كانُوا﴾ في الدّنيا ﴿يَعْمَلُونَ﴾ وهل يعاقبون إلّا على ما كانوا يرتكبون من الكفر والمعاصي ومعارضة الرّسل ومعاندة الحقّ ، لا والله لا يجزون إلّا على أعمالهم السيّئة وعقائدهم الفاسدة.
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ
لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) )
ثمّ أنّه تعالى بعد ما بيّن غاية جهل بني إسرائيل بسؤالهم من موسى عليهالسلام - بعد عبورهم في بلاد العمالقة ، واطّلاعهم على عبادتهم الأصنام - أن يجعل لهم صنما يعبدونه ، ذكر أنّهم لغاية جهلهم آل أمرهم إلى أن عبدوا العجل واتّخذوه إلها ، بقوله : ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى﴾ وأغلب قبيلة بني إسرائيل ؛ وهم كانوا سبعمائة ألف أو ستمائة ألف ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ وبعد ذهابه إلى الميقات ، لغاية جهلهم ﴿مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً﴾ قيل : سمّي ولد البقر به لاستعجال بني إسرائيل عبادته. وكان ذلك العجل ﴿جَسَداً﴾ ذا لحم ودم ﴿لَهُ خُوارٌ﴾ وصوت كصوت البقر.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٤٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٣٨.