(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ
بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ
وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦))
فلمّا رأى موسى عليهالسلام أنّ الله تعالى أحيا السّبعين بدعائه ، بالغ في الدّعاء بقوله : ﴿وَاكْتُبْ﴾ يا ربّ وأوجب عليك ﴿لَنا﴾ بكرمك ﴿فِي هذِهِ الدُّنْيا﴾ ما دمنا فيها امورا ﴿حَسَنَةً﴾ من السّعة في الرّزق ، والرغد في العيش ، والتوّفيق للطّاعة ﴿وَفِي﴾ عالم ﴿الْآخِرَةِ﴾ أيضا الامور الحسنة من النّجاة من العذاب ، والفوز بالجنّة والنّعم الدّائمة يا مولاي ﴿إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ﴾ وعرفناك بكمال الصّفات ، وسعة الرّحمة والمغفرة ، وسؤال الحوائج منك ، وإنّا نرجو منك العفو عن زلّاتنا ونعتذر إليك من خطيئاتنا.
فأوحى الله إلى موسى عليهالسلام بقوله : ﴿قالَ عَذابِي﴾ في الدّنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما ﴿أُصِيبُ بِهِ﴾ وانزله على ﴿مَنْ أَشاءُ﴾ تعذيبه على حسب استحقاقه ، ﴿وَ﴾ لكن ﴿رَحْمَتِي﴾ ونعمتي وإحساني في الدّنيا ﴿وَسِعَتْ﴾ وشملت ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ من الجمادات والنّباتات والحيوانات ، والمؤمنين والكفّار بعد موتهم ﴿فَسَأَكْتُبُها﴾ وأثبتها واديمها في الآخرة ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الشّرك والمعاصي ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ من أموالهم إلى الفقراء والمصارف المقرّرة ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا﴾ ودلائل توحيدنا ، ورسالة رسولنا ﴿يُؤْمِنُونَ﴾
( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي
التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ
عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) )
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان اختصاص رحمته في الدّارين بالمتّقين المزكّين المؤمنين بالآيات ، بيّن اختصاص المؤمنين بخاتم الأنبياء بتلك الصّفات بقوله : ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ﴾ مختصّون بالرّحمة الدّائمة ، فلا تشمل اللّاحقين من بني إسرائيل إلّا إذا التزموا باتّباعه.
وعن ( الكافي ) : عن أحدهما عليهماالسلام : « الرّسول : الذي يظهر له الملك فيكلّمه ، والنبيّ : هو الذي يرى