وبقي باب المدينة مغلقا ، لا يخرج منه أحد ولا يدخله أحد ، وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم وتسنّموا حيطان البلد فاطّلعوا عليهم ، فإذا هم كلّهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض ، يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم ، يقول المطّلع لبعضهم : أنت فلان ، أنت فلانة ، فتدمع عينه ويومئ برأسه أو بفمه بلا أو نعم ، فما زالوا كذلك ثلاثة أيّام ، ثمّ بعث الله تعالى مطرا وريحا فجرفهم إلى البحر وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيّام ، وإنّما الذين ترون من هذه المصوّرات بصورها فإنّما هي أشباهها ، لا هي بأعيانها ولا من نسلها » (١) .
والقمّي رحمهالله [ عن أبي جعفر عليهالسلام ] قال : « وجدنا في كتاب علي عليهالسلام أنّ قوما من أهل إيلة من قوم يهود (٢) ، [ وإن ] الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السّبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك ، فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدّام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم ، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها ، فلبثوا في ذلك ما شاء الله لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها ، ثمّ إنّ الشّيطان أوحى إلى طائفة منهم : إنّما نهيتم عن أكلها يوم السّبت ولم تنهوا عن صيدها ، فاصطادوها يوم السّبت وكلوها فيما سوى ذلك من الأيام.
فقالت طائفة منهم : الآن نصطادها فعتت ، وانحازت طائفة [ اخرى ] منهم ذات اليمين فقالوا : ننهاكم عن عقوبة الله أن تتعرّضوا بخلاف أمره ، واعتزلت طائفة منهم ذات الشمال فسكتت فلم تعظهم فقالت للطائفة التي وعظتهم : ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً﴾ فقالت الطائفة التي وعظتهم : ﴿مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾
قال : فقال الله تعالى : ﴿فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ﴾ يعني : لمّا تركوا ما وعظوا به ومضوا على الخطيئة ، فقالت الطائفة التي وعظتهم : لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل الله بكم البلاء فيعمّنا معكم.
قال : فخرجوا [ عنهم ] من المدينة [ مخافة أن يصيبهم البلاء ، فنزلوا قريبا من المدينة ] ، فباتوا تحت السّماء ، فلمّا أصبح أولياء الله المطيعون لأمر الله تعالى غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية ، فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت ، فدقّوه فلم يجابوا ، ولم يسمعوا منها حسّ أحد ، فوضعوا سلّما على سور المدينة ثمّ أصعدوا رجلا منهم ، فأشرف على المدينة ، فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون ، فقال الرّجل لأصحابه : [ يا قوم ] أرى والله عجبا ، قالو : وما ترى ؟ قال : أرى القوم [ قد ] صاروا قردة يتعاوون ولها
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٦٨ / ١٣٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٤٦.
(٢) في تفسير القمي وتفسير الصافي : ثمود.