فقالوا : لعلّ الخمر غلبتهم أو لهم شأن من خسف أو مسخ أو رمي بالحجارة ، فعلوا الجدر فنظروا فإذا هم قردة ، أو صار الشّبان قردة والشّيوخ خنازير ، ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابهم من الإنس وهم لا يعرفونها ، فجعل القرد يأتي نسيبه فيشمّ ثيابه فيبكي ، ويقول له نسيبه : ألم ننهكم ؟ فيقول القردة برأسة : بلى ، ودموعه تسيل على خدّه ، ثمّ ماتوا عن مكث ثلاثة أيام (١) .
وعن علي بن الحسين عليهماالسلام ، في قوله تعالى : ﴿كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ قال : « كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر ، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السّمك في يوم السّبت ، فتوسّلوا (٢) إلى حيلة ليحلّوا بها لأنفسهم ما حرّم الله ، فاتّخذوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدّي إلى حياض يتهيّأ للحيتان الدّخول فيها من تلك الطّرق ولا يتهيّأ لها الخروج إذا همّت بالرّجوع ، فجاءت الحيتان يوم السّبت جاريّة على أمان لها ، فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران ، فلمّا كانت عشية اليوم همّت بالرّجوع منها إلى اللّجج لتأمن من صائدها فلم تقدر ، وبقيت ليلها في مكان يتهيّأ أخذها بلا اصطياد لاستر سالها فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها.
وكانوا يأخذون يوم الأحد ويقولون : ما اصطدنا في السّبت ، إنّما اصطدنا في الأحد ، وكذب أعداء الله ، بل كانوا اخذيها بأخاديدهم التي عملوها يوم السّبت ، حتّى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم وتنعّموا بالنّساء وغير هنّ لاتّساع أيديهم به ، وكانوا في المدينة نيّفا وثمانين ألفا ، فعل هذا [ منهم ] سبعون ألفا وأنكر عليهم الباقون ، كما قصّ الله ﴿وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ الآية.
وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ، ومن عذاب الله خوّفوهم ، ومن انتقامه وشدائد بأسه حذّروهم ، فأجابوهم من وعظهم : ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ بذنوبهم هلاك الاصطلام ، ﴿أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً﴾ فأجاب القائلين [ لهم ] هذا القول : منّا ﴿مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ﴾ إذ كلّفنا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربّنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم ، قالوا : ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ ونعظهم أيضا لعلّه تنجع (٣) فيهم المواعظ فيتّقوا هذه الموبقة ، ويحذروا عقوبتها.
قال الله تعالى : ﴿فَلَمَّا عَتَوْا﴾ حادوا وأعرضوا وتكبّروا عن قبول الزّجر ﴿عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ مبعدين من الخير مبغضين ، فلمّا نظر العشرة آلاف والنيّف أنّ السّبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم ولا يخافون بتخويفهم إيّاهم وتحذيرهم لهم ، اعتزلوهم إلى قرية اخرى قريبة من قريتهم ، وقالوا : نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم ، فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلّهم قردة ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٢٦٥.
(٢) في تفسير العسكري : فتوصّلوا.
(٣) أي تؤثّر.