ثمّ زاد الطين بلّة إتيان الكوارث الطبيعية والأوبئة الفتّاكة التي أهلكت الحرث والنسل لتجتاح البلاد وتزيد أوضاعها تعقيداً وتعاسةً ، فقد عمّت حقبةٌ كثرت فيها الزلازل والمجاعات والجفاف ، وقد خصّص المؤرّخ المقريزي لوصف هذه الظواهر كتاباً يخصّ تلك الفترة ، فيما انشغل برقوق طيلة فترة حكمه بإخماد الفتن والثورات وإحباط المؤامرات في الداخل ، إذ كانت العوامل السالفة الذكر تبعث الناس على عدم الخضوع والاستسلام لهذه الدولة الجديدة ، وفي الوقت نفسه كان مهدّداً من قبل الإفرنج الصليبيّين ، وكذا من قبل (تيمور لنك) حيث بعث له برسالة تهديدية شديدة اللّهجة ، كما كان مهدّداً من قبل المماليك البحرية ، وكان انشغال الحكومة بإخماد الحركات السياسية ومقاومة الفتن العسكرية والاضطرابات الداخلية المعارضة سبباً لضعف النشاط الفكري والثقافي وأعمال الإعمار والبناء والفنّ والهندسة ، كما خلّفت هذه الحروب والاضطرابات أثراً سيّئاً في حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية ، وفي مقابل هذا الوضع كان على الشعوب أن تتحمّل تبعات المجهود الحربي ، فارتفعت الضرائب بشكل كبير وتفشّى الفساد المالي والإداري ، وراح بعض أصحاب النفوذ يحتكرون السلع الضرورية من قبيل السكّر والملح ، وحكّام هذه الدولة وأمراءها كانوا من الناحية الأخلاقية والدينية سافلين ساقطين.
وإليك هذا التوثيق التاريخي شاهداً على ذلك :
«كان عدد من السلاطين ـ من هذه الأُسرة ـ عاجزين وخونة ، وكان بعضهم فاسدين بل ساقطين ، وكان أكثرهم غير مثقّفين ، وقد عاد نظام تسرّي