ضئيل الأهمّية في نظر الخلافة العبّاسية ، ويمكن قول الشيء نفسه على الصعيد التجاري ، إذ أصبحت شبه الجزيرة العربية في العصر العبّاسي «عديمة الأهمّية الإقتصادية تدريجيّاً بسبب عزلتها»(١). وهذا يعني تضاؤل حركة التوثيق التاريخي حول ما تعتبره الحكومة المركزية هامشاً على أطراف مدن الثقل الاقتصادي والسياسي وشريان حياتها.
وفي بيئة كهذه تفتقر إلى المصادر التاريخية المرتّبة والمدوّنة بشكل منتظم ضمن سجلاّت الدولة وارشيفها ، تتزايد الأهمّية للمصادر التاريخية غير التقليدية ، كالأبنية القديمة ، واللُّقى الأثرية وساجات القبور ، والمخطوطات القديمة المودعة في المكتبات الخاصّة ، والوثائق العقارية وصكوك البيع ، وبطبيعة الحال يأتي على رأس هذه المصادر (الإجازات العلمية) ، بل يمكن أن نقول : «إن الجهود المكتوبة في الإجازات وحولها هي من أغنى فروع المعرفة في الحضارة الإسلامية ثراءاً وأثراً وسعة»(٢).
هناك عامل آخر ، هو أنّ المجتمع الإمامي في الإقليم بشكل خاصّ ، اعتمد اعتماداً ذاتيّاً في إدارة شؤونه العلمية ونشاطاته الثقافية بعيداً عن الأنظمة الرسمية ، فلم تكن هناك سلطة سياسية مستقرّة معنية برصد التاريخ الاجتماعي للناس ، وعندما نقول سلطة سياسية ، فإنّنا نقصد كلّ إمكانات الدولة المركزية : عقل إداري يفكّر ويخطّط ، وميزانية مالية ترصد وتوضع بيد
__________________
(١) الجغرافية التاريخية للعالم الإسلامي : ٣١.
(٢) مقدّمة محمود المرعشي لكتاب المسلسلات ١/١٠.