الأشرف ، فَتَنَقَّلَ في مُحَافَظات العراق بينَ قَصَبَاتها ومَعَاهِدِهَا العِلمِيَّةِ ، ومَكتَبَاتِهَا العَرِيقَةِ كمكتبة (آل الآلوسِيّ) ، و (الكرمليّين) ، وغيرهما من دورِ الكُتُبِ العَامَّةِ والخَاصَّةِ ، ولكنَّ طموحَهُ أكبر من هذا ؛ لأنَّهُ لا يعرفُ للرَّاحةِ طَعماً ولا إخلادًا ؛ لذا شَدَّ رِحَالَهُ إلى الخارج ، واقتَحَمَ مَشَاقَّ الأَسفَارِ ، وكانت رحلتهُ ـ أَوَّلا ـ إلى إيران في سنة (١٢٩٥هـ/١٨٧٨م) ، فذهب إلى خراسان لزيارة الإمام الرضا عليهالسلام ، وأقام بأصبهان مُدَّةً ، وقَضَى بينها وبينَ طهران وشيراز وخراسان سبعَ سنين ، وعاد إلى العراق سنة (١٣٠٢هـ/١٨٨٥م) ، وفي هذه الرحلة عَكَفَ على الدَّرس والدراسة والمطالعة ، ونَسَخَ أُمَّاتِ الكتب ، ومنها مجمع الإِجازات ومنبع الإِفادَاتِ بجزأين ، ثُمَّ سَافَرَ إِلى الآستانة ، وقد لمع اسمه ، فكتبَ وزراءُ السلطان التُّركىّ من بغداد والبصرة وغيرها تحريرات عن الشيخ علىّ تُعَظِّمُهُ ، فَأَقَامَ هناكَ مُدَّةً ، ثُمَّ سافَرَ إلى الحِجَاز ، فبيتِ المقدس ، ومصر ، وبعضِ بلاد الهند ، وحلب ، والشام ، ومصر ، وبيروت ، والإسكندرية ، ومكّة المشرّفة ، ثمَّ دار السَّلطَنَةِ في إسلامبول ، بعدها رَجَعَ إِلى وَطَنِهِ ، وقَد أَمضَى فِي تَجوالهِ هذا أربع سنين ، وتَعَرَّفَ عن كثب على البلاد التي زارها ، ومَا تَضمُّهُ من آثار ، والتقى بكثير من الأعلام والأعيان.
عادَ الشيخُ علىّ وقد جمعَ من ذلكَ زادًا من العُلومِ والمعارفِ ، وثروة طائلة من المآثر ، وعُيون التراث ، ولا نَعجَبُ أَنْ يَكُونَ مِن أَزيدِ النَّاسِ «تَطَلُّعاً إِلى جَمْعِ الكُتُبِ وَاقتِنَائِهَا ، وَحِيَازَةِ المَصَاحِفِ مِنْ مُتَشَعِّبِ أَرجَائِهَا ، وَمُتَفَرِّقِ أَنبَائِهَا مِنْ أَبنَائِهَا» ، على ما صرَّح بذلكَ.