فيقولُ : «وممَّا اتَّفَقَ لي فيها أَنِّي خَرَجتُ مِنَ الدَّار وَمَعِي بعضُ الدَّرَاهِم قَاصِدًا للسُّوقِ ، كي أَشتَرِيَ بَعضَ اللَّوازِمِ إِلى البَيتِ لِتَهيِئَةِ الغداءِ والعشاءِ ، فَرَأيتُ رَجلا بِيَدِهِ كِتَابٌ يُريدُ بَيعَهُ فَاشتريتُهُ مِنهُ ، ودَفَعتُ لهُ تلكَ الدَّرَاهِمَ التي مَعِي وَرَجعتُ إِلى الدَّارِ ، ولمْ يَتَيَسَّرْ لي في ذلكَ اليوم غيرها»(١).
وهو بهذا يذكِّرنا بقصّة حدثت للجاحظ (ت ٢٥٥هـ) مذكورة في كتب الأدب والتَّراجِم.
وقالَ عنهُ وَلَدُهُ الشَّيخُ مُحَمَّد الحُسَين : «وَلَهُ وَلَعٌ غَرِيبٌ بِجَمْعِ الكُتُبِ وَاقتنائها ، واستنساخِهَا بِيَدِهِ ، وفي أَغلب أَسفارِهِ يَأتِي مَعَهُ بِعُدَّة حَسَنَة ، ولكن قد تلفَ كثيرٌ منها بتطلُّب الأُمَرَاءِ والحُكَّامِ ، ومَن لا يعقل مِن الكتب إلاّ أَسمَاءَهَا على كلام»(٢).
أمّا المخطوطات فَقد خَبَرَهَا ، وانفَتَحَ على مَظَانِّ وجودِها في المَكتَبَاتِ ، وعَرَفَ مَنَازِلَهَا وأَقيَامَهَا ، ونَوعَ الوَرَقِ والمِدَادِ والتَّجليدَ ، والخطَّ ، وتَجَاوَزَ مجموع ما نَسَخَهُ بِخَطِّهِ المئة كتاب ، ولم ينقطعْ عَنِ الكِتَابَةِ والتأليف حتَّى بعد أَنْ كَبرتْ سِنُّهُ ، وأَصَابَتِ الرَّعشَة يَده ، بِسَبَبِ ضعفِهِ وعَدَمِ قُدرتهِ على الإمسَاكِ بالقَلَمِ ، ورأيتُ هذا في صفحات متفرِّقة من الحصون المنيعة ، وبعضها في نهج الصواب ، نتيجة الإضافات واللَّحَق التي قام بها في أُخريات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) نهج الصواب ، ونقل عنهُ الخبرَ الشيخُ محبوبة في : ماضي النجف وحاضرها ٣/١٧٤.
(٢) الإِجازة الكُبرَى ١٠١ ـ ١٠٢.