﴿قالَ﴾ موسى عليهالسلام : ﴿رَبِ﴾ اقسم عليك ﴿بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ﴾ من الايمان والعرفان والقوّة والمغفرة لأتوبنّ ﴿فَلَنْ أَكُونَ﴾ بعد ذلك أبدا ﴿ظَهِيراً﴾ ومعينا ﴿لِلْمُجْرِمِينَ﴾ والخاطئين.
روي عن عليّ بن الجهم ، قال : كنت في مجلس المأمون ، وكان عنده الرضا عليهالسلام فسأله المأمون ، وقال : يابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون ؟ قال : « بلى هم عليهمالسلام معصومون من الكبائر والصغائر » قال : ما تقول في قوله تعالى : ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ؟﴾ قال عليهالسلام : « لمّا دخل موسى في مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها ، وكان بين المغرب والعشاء ، رأى رجلين يقتتلان ، كان أحدهما من قومه والآخر من قوم فرعون ، فوكزه موسى بحكم الله ، فمات القبطي ، فقال موسى : هذا الاقتتال الذي كان بينهما من عمل الشيطان لا ما فعل موسى عليهالسلام من قتل القبطي بوكزه » .
قال المأمون : فما معنى قول موسى : ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ؟﴾ قال عليهالسلام : « كان مراد موسى مناجاته : ربّ إني وضعت نفسي في غير موضعها ، حيث دخلت هذه المدينة ، فاسترني ربّي من أعدائي حتى لا يظفروا بي فيقتلونني ، فستره الله تعالى منهم ، ثمّ قال : ربّ بما أنعمت عليّ من كمال القوة بحيث قتلت الرجل بوكزة ، فلن أكون ظهيرا للمجرمين ، بل أجاهدهم في سبيلك بقوّتي حتى ترضى» (١) .
أقول : بعد ثبوت عصمة الأنبياء بحكم العقل ودلالة الآيات وتظافر الروايات ، فلا بدّ من حمل أمثال الآيات على غير ظاهرها ، ولو كان في غاية البعد لعدم إمكان رفع اليد عن الأدلّة القاطعة بالظهورات والظنون ، وقيل : إنّ المعنى بحقّ إنعامك عليّ وإحسانك إليّ اعصمني فلن أكون معينا لمن تؤدّي معاونته إلى الجرم والقطيعة (٢) .
عن ابن عباس : أنّه عليهالسلام لم يستثن ، فابتلي بالعون مرة اخرى كما سيأتي (٣).
أقول : في الآية دلالة واضحة على حرمة إعانة المجرمين والعصاة والظالمين بما تصدق عليه الإعانة ، ولو بالكتابة وبري القلم ، وحسن إعانة المؤمنين في أداء التكاليف وسائر حوائجهم ، كما يدلّ عليه قوله : ﴿وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ﴾(٤) .
﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٩٥ و١٩٨ و١٩٩ / ١ ، الاحتجاج : ٤٢٦ و٤٢٨ ، بحار الأنوار ١٣ : ٣٢ / ٦.
(٢و٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٩١.
(٤) المائدة : ٥ / ٢.