الاسرائيلي ذلك ، انتشر الحديث في المدينة ، وانتهى إلى فرعون ، فهمّوا بقتله ﴿وَ﴾ إذن ﴿جاءَ رَجُلٌ﴾ مؤمن من آل فرعون وطائفة القبط يقال له حزقيل أو حزئيل ﴿مِنْ﴾ قصر فرعون الذي كان في ﴿أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾ وأخرها.
قيل : كان ابن عمّ فرعون (١) ، أو موسى (٢) ، وهو ﴿يَسْعى﴾ ويسير سريعا إشفاقا على موسى حتى وصل إليه. ثمّ ﴿قالَ﴾ نصحا وتخويفا له : ﴿يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ﴾ والأشراف من القبط ﴿يَأْتَمِرُونَ بِكَ﴾ ويتشاورون بسببك ﴿لِيَقْتُلُوكَ﴾ قصاصا وعنادا ﴿فَاخْرُجْ﴾ عاجلا من هذه المدينة تحفّظا على نفسك ﴿إِنِّي لَكَ﴾ فيما آمرك به من الخروج والفرار من القوم ﴿مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ والطالبين لخيرك وصلاحك.
القمي قال : وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل ، فطلبه ليقتله ، فبعث المؤمن إلى موسى أنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك (٣)﴿فَخَرَجَ﴾ موسى ﴿مِنْها﴾ فورا بلا زاد وراحلة حال كونه ﴿خائِفاً﴾ على نفسه من القبط وخدم فرعون و﴿يَتَرَقَّبُ﴾ ويترصّد لحوق الطالبين له وتعرّضهم إياه في الطريق.
ثمّ التجأ إلى الله تعالى ، لعلمه بأنّه لا ملجأ له سواه و﴿قالَ رَبِّ نَجِّنِي﴾ وخلّصني ﴿مِنَ﴾ ظلم ﴿الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ واحفظني من لحوقهم إياي ، وسلّمني من شرّهم.
وفي الحديث : يلتفت يمنة ويسرة ، ويقول : ربّ نجّني إلى آخره (٤) .
قيل : ومرّ نحو مدين ، وكان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة أيام (٥) ، ولم تكن في سلطان فرعون ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ﴾ وأقبل نحوها ، وسلك في طريقها غير قاصد لها (٦) ، وأخذ يمشي على غير معرفته مسلّما نفسه إلى الله ، أعلن بتوكّله عليه و﴿قالَ عَسى﴾ وأرجو من ﴿رَبِّي﴾ اللّطيف بي ﴿أَنْ يَهْدِيَنِي﴾ ويرشدني ﴿سَواءَ السَّبِيلِ﴾ ووسطه الموصل إلى المقصود والمأمن.
قيل : إنّه عليهالسلام قصد التوجّه إلى بلدة مدين ، لأنّه وقع في نفسه أنّ بينه وبين أهل مدين قرابة ، لأنّهم كانوا من أولاد مدين بن إبراهيم ، وكان هو عليهالسلام من بني إسرائيل ، ولم يكن له علم بالطريق ، بل اعتمد على فضل الله وتوكّل عليه في إيصاله إليه (٧) .
وقيل : إنّ جبرئيل جاءه وعلّمه الطريق (٨) .
وقيل : لمّا أخذ موسى في السير جاءه ملك على فرس فسجد له موسى عليهالسلام من الفرح ، فقال
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ١٨٩ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٩٢.
(٢) تفسير الصافي ٤ : ٨٥.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٣٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٥.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٣٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٥.
(٥) تفسير القمي ٢ : ١٣٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٥.
(٦) في النسخة : نحوه ، وسلك في طريقه غير قاصد له.
(٧ و٨) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٣٨.