قال : فلمّا بعث الله عزوجل محمدا قال : يا محمد ، وما كنت بجانب الطّور إذ نادينا امتك بهذه الكرامة » الخبر (١) .
قيل : إنّ الله ذكر عدم حضور النبيّ صلىاللهعليهوآله في الجانب الغربي إذ قضى إلى موسى الأمر ، وهو إنزال التوراة ، حتى تكامل دينه ، وكونه في أول الأمر في أهل مدين ، وكونه في الطّور ليلة المناجاة ؛ لأنّ كلّها أحوال عظيمة وإنّما عرفها النبيّ صلىاللهعليهوآله للرحمة ، [ ثمّ ] فسّر الرحمة بقوله : ﴿لِتُنْذِرَ﴾ إلى آخره (٢) .
﴿وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا
رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا
لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى (٤٧) و (٤٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حكمة بعثه في المشركين بقوله : ﴿وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ وعقوبة ﴿بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من الكفر والمعاصي ﴿فَيَقُولُوا﴾ اعتراضا واحتجاجا علينا يوم القيامة ﴿رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا﴾ ولم لم تبعث فينا ﴿رَسُولاً﴾ من قبلك يتلو علينا آياتك ، ويتمّ علينا حجّتك ، ويهدينا سبيلك ؟ ﴿فَنَتَّبِعَ آياتِكَ﴾ ونهتدي بهدايتك ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بتوحيدك وبما أنزلت من الآيات والأحكام ، ما أرسلناك إليهم ، فلم تكن حكمة إرسالك فيهم إلّا قطع حجّتهم ، وسدّ باب اعتذارهم ، وإتمام الحجّة عليهم.
ثمّ بيّن سبحانه غاية شقاوتهم بأنّهم قوم إذا لم نبعث إليهم الرسول اعترضوا علينا ، وإذا بعثنا الرسول اعترضوا عليه بأنّه لم لم يأت بمعجزة اقترحوها عليه بقوله : ﴿فَلَمَّا جاءَهُمُ﴾ محمد بالرسالة التي هي ﴿الْحَقُ﴾ وعين الصدق ﴿مِنْ عِنْدِنا﴾ وبأمرنا بالمعجزات الباهرات ﴿قالُوا﴾ تعنّتا واقتراحا عليه وعلينا : ﴿لَوْ لا أُوتِيَ﴾ محمد من المعجزات ﴿مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى﴾ بن عمران من الآيات التسع والكتاب المنزل جملة واحدة مع أنّ الواجب على الله أن يعطي الرسول معجزة تدلّ على صدقه ، ولا يجب أن تكون معجزات الأنبياء واحدة ، بل لا يجوز ذلك للحكمة البالغة.
﴿أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ
كافِرُونَ * قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ (٤٩) و (٥٠)﴾
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٨٣ / ٣٠ ، تفسير الصافي ٤ : ٩٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٥٨.