الظَّالِمِينَ * وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٠) و (٥١)﴾
ثمّ أعلن سبحانه بغاية ضلالهم بقوله : ﴿وَمَنْ أَضَلُ﴾ على نفسه ﴿مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ﴾ وقال قولا أو عمل عملا بشهوة نفسه من دون أن يكون على صحّته حجّة واضحة شرعية أو عقلية.
عن الكاظم عليهالسلام - في هذه الآية - قال : « يعني من أتّخذ دينه ورأيه بغير إمام من ائمّة الهدى»(١) .
ثمّ إنّه تعالى بعد ذمّهم بغاية الضلال هدّدهم بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي﴾ إلى دين الحقّ ، ولا يوفّق للالتزام به ﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالكفر والإصرار على العناد ، بل يشملهم الخذلان الذي هو أشدّ العذاب في الدنيا لاستتباعه أشدّ العذاب في الآخرة.
ثمّ بيّن الله سبحانه حكمة نزول القرآن نجوما بقوله : ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنا﴾ لقريش ، وأكثرنا ﴿لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ بانزال آيات القرآن العظيم واحدة بعد واحدة وقطعة بعد قطعة حسبما تقتضيه الحكمة ليتّصل التذكير - عن الكاظم عليهالسلام : « إمام إلى إمام » (٢) - ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ويتعّظون فيؤمنوا وينقادوا للحقّ ، أو المراد : تابعنا لهم المواعظ والزواجر ، وبيّنا لهم قصص المهلكين قرنا بعد قرن بالعذاب على الكفر وتكذيب الأنبياء لعلّهم يتّعظون ويخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من الامم الظالمة المكذّبة للرّسل كقوم نوح وأضرابهم.
﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ
إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٢) و (٥٣)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه على صحّة النبوة وصدق القرآن بعجز البشر عن إتيان مثل هذا الكتاب ، أكدّ ذلك بالاستدلال عليهما بايمان علماء أهل الكتاب به بقوله : ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ﴾ السماوي كالتوراة والانجيل ، وأنزلنا عليهم في الزمان السابق على نزول القرآن و﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ وآمنوا به حقّ الايمان ﴿هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ وبكونه كلام الله يصدّقون.
قيل : نزلت في اناس من أهل الكتاب ، كانوا على شريعة حقّة ، فلمّا بعث الله محمّدا صلىاللهعليهوآله آمنوا به منهم سلمان وعبد الله بن سلام (٣) .
وحاصل الاستدلال : أنّ المطّلعين على الكتب السماوية لمعرفتهم بصفات القرآن وعلائمه
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٠٦ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ٩٤.
(٢) الكافي ١ : ٣٤٣ / ١٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٩٤.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٦٢.