والرسالة والإمامة وغيرها ﴿سُبْحانَ اللهِ﴾ وتنزّه بذاته من أن يزاحم اختياره اختيار خلقه ﴿وَتَعالى﴾ وترفّع بكمال ذاته ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ به من الآلهة التي يدعون من دونه في التصرّف في أمر خلقه ، أو عن إشراكهم.
ثمّ هدّد سبحانه الطاعنين في رسالة رسوله بقوله : ﴿وَرَبُّكَ﴾ يا محمّد ﴿يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾ وتضمر قلوبهم من عداوة الرسول والحسد عليه ﴿وَما يُعْلِنُونَ﴾ ويظهرون من الطعن فيه والاعتراض عليه بقولهم ﴿لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾(١) فيجازيهم على مضمراتهم ومعلناتهم أسوأ الجزاء.
﴿وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
* قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ
يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً
إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَ فَلا تُبْصِرُونَ *
وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (٧٠) و (٧٣)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد تخصيص أمر الخلق واختيار الامور والعلم بالمضمرات والمعلنات بذاته المقدّسة ، خصّ الالوهية والحمد بنفسه بقوله : ﴿وَهُوَ اللهُ﴾ المستحقّ للعبودية والمتفرّد بالالوهية ﴿لا إِلهَ﴾ ولا معبود بالاستحقاق ﴿إِلَّا هُوَ﴾ تعالى شأنه و﴿لَهُ﴾ وحده ﴿الْحَمْدُ﴾ والثناء الجميل ﴿فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ﴾ والدنيا والعقبى ، لاختصاص النّعم العاجلة والآجلة به ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾ النافذ فيهما ، لا يزاحمه غيره في الخلق والاختيار.
عن ابن عباس حكم لأهل طاعته بالمغفرة ، ولاهل معصيته بالشقاء والويل (٢) .
﴿وَإِلَيْهِ﴾ بالبعث ﴿تُرْجَعُونَ﴾ لا إلى غيره ، فيجازي كلّا على حسب استحقاقه.
ثمّ إنّه تعالى بعد تخصيص الحمد بذاته نبّه على بعض مهمّات نعمه بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد لقومك ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ وأخبروني ﴿إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً﴾ والظّلمة دائمة وباقية ﴿إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ لانهار معه ولا ضياء معها ﴿مَنْ إِلهٌ﴾ قادر ﴿غَيْرُ اللهِ﴾ القدير الحكيم ﴿يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ﴾ يمكنكم فيه تحصيل معائشكم وتنظيم اموركم وتفريح قلوبكم ﴿أَ فَلا تَسْمَعُونَ﴾ دلائل توحيد
__________________
(١) الزخرف : ٤٣ / ٣١.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٤٢٥.