وقيل : إنّ المراد تمنّوا أنّهم كانوا مهتدين إلى الحقّ لا ضالّين عنه (١) .
﴿وَ﴾ ذكّرهم يا محمّد ﴿يَوْمَ يُنادِيهِمْ﴾ ربّهم نداء تقريع وتوبيخ ﴿فَيَقُولُ﴾ لهم أيّها الكفّار الغواة ﴿ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ الذين أرسلتهم إليكم حين دعوكم إلى التوحيد وإلى عبادتي ، ونهوكم عن الشرك والضلال ﴿فَعَمِيَتْ﴾ وسترت ﴿عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ﴾ والأخبار ونسوها فلا يدرون ما يقولون لفرط الدهشة ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وفي ذلك الوقت العظيم الهول ﴿فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ﴾ ولا يرجع بعضهم إلى بعض في الجواب ، لعلمهم باشتراك جميعهم في الحيرة والوحشة والعجز عنه.
﴿فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان سوء حال المصرّين على الشّرك ، بيّن حال التائبين منه بقوله : ﴿فَأَمَّا مَنْ تابَ﴾ من الشرك والعصيان ﴿وَآمَنَ﴾ بالتوحيد ورسالة الرسول وصدق كتابه ﴿وَعَمِلَ﴾ عملا ﴿صالِحاً﴾ ومرضيا عند الله ﴿فَعَسى أَنْ يَكُونَ﴾ ذلك التائب المؤمن الصالح ﴿مَنْ﴾ جملة ﴿الْمُفْلِحِينَ﴾ والفائزين بأعلى المقاصد من الأمن من الأهوال ، والنجاة من العذاب ، ونيل الجنّة (٢) والنّعم الدائمة والراحة الأبدية في ذلك اليوم العظيم.
قيل : إنّ ذكر ( عسى ) في وعد الكرام للتحقيق ، وقيل : إنّ المقصود إيجاد الرجاء في قلب التائب (٣) ، فكأنّه قال : فليطمع التائب في الفلاح ، ولا يغترّ بايمانه وعمله ، لاحتمال انقلاب حاله وابتلائه بما يوجب هلاكه.
﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا
يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٨) و (٦٩)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد الجواب عن اعتذار المشركين في ترك الايمان ، ذكر الجواب عن اعتراضهم على رسالة الرسول بأنّه لا بدّ أن يكون من الأغنياء والرؤساء ، ومحمد فقير لا نفوذ لكلامه في العرب بقوله : ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ خلقه ﴿وَيَخْتارُ﴾ من خلقه من يشاء أن يختاره ويصطفيه للرسالة وغيرها ، فكما أنّ الخلق إليه يكون الاختيار إليه في جميع الامور ، وإن كان مختاره مخالفا لاختيار الناس ، لأنّه ﴿ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ في أمر من الامور التكوينية ، كالفقر والغنى ، والصحة والمرض ، والعزّ والذّل،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٤٢١.
(٢) في النسخة : والنيل بالجنّة.
(٣) تفسير أبي السعود ٧ : ٢٢ ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٢٢.