العقل بين من اتّصل نعمه الدنيوية بالنّعم الاخرويّة الأبديّة ، ومن اتّصل نعمه الدنيوية بالعقوبة الاخروية الدائمة.
﴿وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * قالَ الَّذِينَ حَقَّ
عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما
كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ * وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا
الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ
* فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٢) و (٦٦)﴾
ثمّ شرع سبحانه في تهديد المشركين بأهوال القيامة وعدم نفع أصنامهم فيها بقوله : ﴿وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ﴾ والتقدير وذكّرهم يا محمد يوم يناديهم ربّهم نداء غضبان ﴿فَيَقُولُ﴾ لهم تقريعا وتوبيخا : قولوا ﴿أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ وتتوهّمون أنّهم شركائي في الالوهية والعبادة ، وكنتم تعبدونهم كما تعبدونني ، وترجون منهم نجاتكم من الشدائد ؟ والغرض من هذا السؤال غايه تفضيحهم الذي هو نوع من العذاب ﴿قالَ﴾ الشياطين والرّوساء ﴿الَّذِينَ﴾ اتّخذوهم أربابا و﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ وثبت عليهم الوعيد بقوله : ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾(١) : ﴿رَبَّنا هؤُلاءِ﴾ الضعفاء الذين اتّبعونا في العقائد والأعمال هم ﴿الَّذِينَ أَغْوَيْنا﴾ وأضللناهم عن التوحيد من غير إكراه وإجبار بل ﴿أَغْوَيْناهُمْ﴾ باختيارهم وميل أنفسهم ﴿كَما غَوَيْنا﴾ وضللنا عن الحقّ كذلك ، ولم ينفعنا وإياهم الدلائل العقلية ونصائح الرسل وبيانات الكتب السماوية المشحونة بالوعد والوعيد في الصرف عمّا كنّا عليه من الكفر والعصيان ، فاليوم ﴿تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ﴾ منهم وممّا اختاروه لأنفسهم من الشرك ﴿ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ﴾ بل كانوا يعبدون هوى أنفسهم ويتّبعون شهواتهم.
﴿وَقِيلَ﴾ إذن من قبل الله للرؤساء والأتباع تهكّما وتقريعا : ﴿ادْعُوا﴾ اليوم ﴿شُرَكاءَكُمْ﴾ وآلهتكم التي تدعون من دوني ، كي يشفعوا لكم (٢) ويكفّوا عنكم العذاب وينجوكم من شدائد هذا اليوم ﴿فَدَعَوْهُمْ﴾ لفرط الحيرة ، أو برجاء النّصرة جمعا ﴿فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ للعجز عن إجابتهم ونصرتهم ﴿وَرَأَوُا﴾ جميعهم التابع والمتبوع ﴿الْعَذابَ﴾ الذي اعدّ لهم حسب استحقاقهم أنّه قد غشيهم ﴿لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ﴾ إلى وجه من الحيل في دفعه ، أو إلى الحقّ في الدنيا لما لقوا ما لقوا.
__________________
(١) السجدة : ٣٢ / ١٣.
(٢) في النسخة : يشفعوكم.