﴿وَضَلَ﴾ وغاب ﴿عَنْهُمْ﴾ غيبة الضائع ﴿ما كانُوا﴾ في الدنيا ﴿يَفْتَرُونَ﴾ على الله من أنّه اتخذ لنفسه شريكا ، أو المراد ما كانوا يكذبون من الوهية الأصنام.
﴿إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ
لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (٧٦)﴾
ثمّ استشهد سبحانه على سرعة زوال نعم الدنيا بسبب الكفر والطغيان بقصة قارون بقوله : ﴿إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى﴾ قيل : كان عمّ موسى ، لأنّه وعمران كانا ابني يصهر (١) . وقيل : كان ابن عمّه لأنّ يصهر كان أخي عمران (٢) ، وعن ابن عباس : أنّه كان ابن خالة موسى (٣) ، وقيل : إنّه كان لقبه المنور لحسن صورته ، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة (٤) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنه كان من السبعين المختارة الذين سمعوا كلام الله تعالى » (٥) .
﴿فَبَغى﴾ وطلب الفضل والرئاسة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وكونهم تحت حكمه. وقيل : كان يستخفّ بالفقراء (٦) المؤمنين منهم ، وقيل : إنّه ظلمهم لأنّ فرعون سلّطه عليهم (٧) . وعن ابن عباس : أنّه تجبّر وتكبّر وسخط عليهم (٨) . وقيل : إنّه حسد هارون على الحبورة (٩) .
روي أنّ موسى عليهالسلام لمّا قطع البحر وأغرق الله فرعون ، جعل الحبورة لهارون ، فحصلت له النبوّة والحبورة ، وكان صاحب القربان والذبح ، فوجد قارون من ذلك في نفسه فقال لموسى ، لك الرسالة ، ولهارون الحبورة ، ولست في شيء ، ولا أصبر أنا على هذا. فقال موسى عليهالسلام : والله ما صنعت ذلك لهارون ، ولكن الله جعله له. فقال : والله لا اصدقك أبدا حتى تأتين بآية أعرف بها أنّ الله جعل ذلك لهارون ، فأمر موسى رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كلّ منهم بعصاه ، فجاءوا بها ، فالقاها موسى عليهالسلام في قبّة له ، وكان ذلك بأمر الله ، فدعا ربّه أن يريهم بيان ذلك ، فباتوا يحرسون عصيهم ، فأصبحت عصا هارون تهتزّ لها ورق أخضر ، وكانت من شجر اللّوز ، فقال موسى عليهالسلام : يا قارون ، أما ترى ما صنع الله لهارون ؟ فقال : والله ما هذا بأعجب ممّا تصنع من السحر ، فاعتزل قارون ومعه ناس كثير ، وولي هارون الحبورة والذبح والقربان ، فكان بنو إسرائيل يأتون هداياهم إلى هارون ، فيضعها في المذبح ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ١٣.
(٢) تفسير الرازي ٢٥ : ١٣ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٢٤.
(٣و٤) تفسير الرازي ٢٥ : ١٣.
(٥) تفسير الرازى ٢٥ : ١٤.
(٦) تفسير الرازي ٢٥ : ١٣ ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٢٩.
(٧) تفسير الرازي ٢٥ : ١٣.
(٨) تفسير الرازي ٢٥ : ١٤.
(٩) تفسير الرازي ٢٥ : ١٤ ، والحبورة : الإمامة ، مأخوذ من الحبر ، بمعنى الرئيس في الدين.