وتنزل النار من السماء فتأكلها (١) .
ثمّ حكى الله كثرة مال قارون بقوله : ﴿وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ﴾ وأعطيناه من الأموال الكثيرة المذخورة ﴿ما إِنَّ مَفاتِحَهُ﴾ والمقدار الذي مفاتيح صناديقه ﴿لَتَنُوأُ﴾ وتنهض ، أو تميل لثقلها ﴿بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ والجماعة الكثيرة من الرجال الأقوياء إذا حملوها.
عن ابن عباس : العصبة في هذا الموضع أربعون رجلا ، وخزائنه كانت أربعمائة ألف ، يحمل كلّ رجل منهم عشر آلاف مفتاح (٢) .
والقمي : العصبة ما بين العشرة إلى التسعة عشر (٣) .
قيل : كان في الانجيل أنّ مفاتح خزائن قارون وقر (٤) ستين بغلا ما يزيد منها مفتح على إصبع ، لكلّ مفتح كنز (٥) .
وقيل : كان قارون أينما يذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه ، وكانت من حديد ، فلمّا ثقلت عليه جعلها من خشب ، فثقلت فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع (٦) .
وقيل : كانت من جلود الإبل (٧) .
وقيل : إنّ المراد من المفاتح نفس الكنوز (٨) .
وقيل : إنّ المراد بها العلم والاحاطة (٩) ، كما قال تعالى : ﴿وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ﴾(١٠) فالمعنى آتيناه من العلوم ما إن حفظها والإطلاع عليها ليثقل على العصبة اولي القوّة والهداية.
﴿إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ
الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ
الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٦) و (٧٧)﴾
ثمّ حكى سبحانه وعظ موسى أو بعض المؤمنين من بني إسرائيل له بقوله : ﴿إِذْ قالَ لَهُ﴾ والتقدير اذكر إذ قال له ﴿قَوْمُهُ﴾ وعظا ونصحا : يا قارون ﴿لا تَفْرَحْ﴾ ولا تبطر بالزخارف الدنيوية ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ بالدنيا ومتاعها ، لأنّها مبغوضة عند الله ، لأنّ جمّها (١١) مانع عن حبّه ، وصارف عن
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ١٤.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٤٣٠.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٤٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٢.
(٤) الوقر : الحمل.
(٥و٦) تفسير روح البيان ٦ : ٤٣٠.
(٧) تفسير الرازي ٢٥ : ١٤.
(٨) تفسير الرازي ٢٥ : ١٥.
(٩) تفسير الرازي ٢٥ : ١٥.
(١٠) الأنعام : ٦ / ٥٩.
(١١) الجمّ : الكثير ، وجمّ الشيء : معظمه.