ذكره والتوجّه إليه ﴿وَابْتَغِ﴾ يا قارون واطلب ﴿فِيما آتاكَ اللهُ﴾ وفي تملّك هذه الأموال التي أعطاكها الله أو بسببها ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ ونعمها التي وعدها الله المؤمنين فيها ، يصرف في تلك الأموال في الوجوه البريّة والمصارف الخيرية كمواساة الفقراء ، وفكّ الاسراء ، وصلة الأرحام ونحوها ﴿وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ﴾ ولا تترك حظّك ﴿مِنَ الدُّنْيا﴾ فانّ حظّ المؤمن من الدنيا تحصيل الآخرة بها.
عن أمير المؤمنين : « صحتّك وقوّتك وشبابك وغناك » (١) .
وقيل : يعني لا تترك أخذ ما يكفيك من الدنيا (٢) . وقيل : يعني لا تنس نصيبك من الدنيا حين رحلتك منها ، وهو ليس إلّا الكفن ، فلا تغرّر بها (٣) .
ثمّ إنه الأمر بالاحسان بالمال ، أمره بمطلق الاحسان بقوله : ﴿وَأَحْسِنْ﴾ إلى عباد الله بالمال والجاه والبشر وحسن اللّقاء والذّكر ونظائرها ﴿كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ﴾ بتوفير المال والنّعم ، فنبّه على أنّ إحسان العباد شكرا لاحسان الله ﴿وَلا تَبْغِ﴾ ولا تطلب ﴿الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ﴾ بالظّلم والتكبّر والتجبّر والعصيان ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ بل يبغضهم.
عن الصادق عليهالسلام : « فساد الظاهر من فساد الباطن ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن خان الله في السرّ هتك الله سرّه في العلانية ، وأعظم الفساد أن يرضى العبد بالغفلة عن الله تعالى ، وهذا الفساد يتولّد من طول الأمل والحرص والكبر ، كما أخبر الله تعالى في قصة قارون في قوله : ﴿وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ وكانت هذه الخصال من صنع قارون واعتقاده ، وأصلها من حبّ الدنيا وجمعها ومتابعة النفس وهواها ، وإقامة شهواتها ، وحبّ المحمدة ، وموافقة الشيطان ، واتّباع خطواته ، وكلّ ذلك مجتمع تحت الغفلة عن الله ونسيان منّته » (٤) .
﴿قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ
الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ *
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما
أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ
خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٧٨) و (٨٠)﴾
__________________
(١) معاني الأخبار : ٣٢٥ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٣ ، وفيهما : ونشاطك ، بدل : وغناك ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٣١.
(٢) تفسير أبي السعود ٧ : ٢٥ ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٣١.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٤٣١.
(٤) مصباح الشريعة : ١٠٧ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٣ ، وفي النسخة : سنته.