قارون ليستبدّ بداره وكنوزه ، فدعا الله حتى خسف بداره وكنوزه (١).
القميّ ، قال : كان سبب هلاك قارون أنّه لمّا أخرج موسى عليهالسلام بني إسرائيل من مصر ، وأنزلهم البادية ، أنزل الله عليهم المنّ والسّلوى ... إلى أن قال : ففرض الله عليهم دخول مصر ، وحرمها عليهم أربعين سنة ، وكانوا يقومون من أوّل الليل ويأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء ، وكان قارون منهم ، وكان يقرأ التوراة ، ولم يكن فيهم أحسن صوتا منه ، وكان يسمّى المنور لحسن قراءته (٢) وكان يعمل الكيمياء.
فلمّا طال الأمر على بني إسرائيل في التيه ، وامروا بالتوبة ، وكان قارون امتنع من الدخول معهم في التوبة ، وكان موسى يحبّه ، فدخل موسى عليه وقال له : يا قارون ، قومك في التوبة وأنت قاعد ها هنا ادخل معهم ، وإلّا ينزل بك العذاب فاستهان به واستهزأ بقوله ، فخرج موسى من عنده مغتمّا ، فجلس في فناء قصره ، وعليه جبّة شعر ، وفي رجليه نعلان من جلد حمار شراكهما من خيوط شعر ، بيده العصا ، فأمر قارون أن يصبّ رماد قد خلط بالماء ، فصبّ عليه ، فغضب موسى غضبا شديدا ، وكان في كتفه شعرات ، كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم ، فقال موسى : يا ربّ ، إن لم تغضب لي فلست لك بنبي. فأوحى الله عزوجل : قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت.
وقد كان قارون قد أمر أن يغلق باب القصر ، فأقبل موسى فأوحى إلى الأبواب فانفرجت ، فدخل عليه ، فلمّا نظر إليه قارون علم أنّه قد اتي بالعذاب ، فقال : يا موسى ، أسألك بالرّحم الذي بيني وبينك. فقال له : يابن لاوي ، لا تزدني من كلامك ، يا أرض خذيه ، فابتلعته بقصره وخزائنه. الخبر(٣) .
﴿فَما كانَ لَهُ﴾ في ذلك اليوم ﴿مِنْ فِئَةٍ﴾ وجماعة متعاضدين ﴿يَنْصُرُونَهُ﴾ بدفع عذاب الخسف ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وبغير نصرته تعالى ﴿وَما كانَ﴾ قارون بنفسه ﴿مِنَ المُنْتَصِرِينَ﴾ والمدافعين للعذاب عن نفسه بوجه ﴿وَأَصْبَحَ﴾ وصار ﴿الَّذِينَ تَمَنَّوْا﴾ لأنفسهم ﴿مَكانَهُ﴾ ومنزلته ﴿بِالْأَمْسِ﴾ وفي الزمان القريب من هلاكه ﴿يَقُولُونَ﴾ تندّما من تمنيّهم ، أو إظهارا لخطئهم ، أو تعجّبا من الواقعة: ﴿وَيْكَأَنَ﴾ وما أشبه أن ﴿اللهَ﴾.
وقيل : إنّ ( وي ) كان مركّب من ( ويك ) بمعنى ويلك وإن ، والمعنى ويلك اعلم أنّ الله (٤)﴿يَبْسُطُ﴾ ويوسّع ﴿الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾ على مقتضى حكمته ، لا لكرامة المبسوط عليه ﴿وَيَقْدِرُ﴾ ويضيّق الرزق على من يشاء كذلك ، لا لهوان المضيق عليه ﴿لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ﴾ وأنعم ﴿عَلَيْنا﴾ بمنع
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ١٨ ، ونسبه الى القيل ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٣٥.
(٢) في النسخة : صورته.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٤٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٤.
(٤) تفسير أبي السعود ٧ : ٢٧ ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٣٦.