فقال الفرّاء لأصحابه : اجتمعوا حتى أملّ عليكم كتابا فى القرآن. وجعل لهم يوما. فلما حضروا خرج إليهم ، وكان فى المسجد رجل يؤذّن ويقرأ بالناس فى الصلاة ، فالتفت إليه الفرّاء فقال له : اقرأ بفاتحة الكتاب ، ففسّرها ، ثم توفّى (١) الكتاب كلّه : يقرأ الرجل ويفسّر الفرّاء. فقال أبو العباس : لم يعمل أحد قبله ، ولا أحسب أن أحدا يزيد عليه».
وفى تاريخ بغداد عن أبى بديل الوضّاحى : «فأردنا أن نعدّ الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب المعاني فلم يضبط. قال : فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا».
ولم نقف على أمر عمر بن بكير الذي صنع الكتاب لأجله.
روايته :
اتفق الكتّاب على أن راوى الكتاب محمد بن الجهم السّمّرى. وكان الفرّاء بملي فى المجلس ويكتب الحاضرون ، ويبدو أن السمّرىّ كان له مزيد عناية بالكتابة ، وكان ملازما للمجلس ، فكان يدوّن ، ونسبت رواية الكتاب لذلك إليه ، وعسى أن يكون الفرّاء يطلع على ما يدوّن ويقرّه. وكان الكتاب ينسخ فى حياة الفرّاء ، فهى نسخة السمري فيما يظهر. على أن هناك نسخة أخرى لم تشتهر. ففى تاريخ بغداد عن محمد بن الجهم : «كان الفرّاء يخرج إلينا وقد لبس ثيابه فى المسجد الذي فى خندق عبويه ، وعلى رأسه قلنسوة كبيرة. فيجلس فيقرأ أبو طلحة الناقط عشرا من القرآن ، ثم يقول له : أمسك. فيملى من حفظه المجلس ، ثم يجىء سلمة ـ يريد سلمة بن عاصم من جلّة تلامذة الفرّاء ـ بعد
__________________
(١) أي استوفاه. وفى ابن خلكان : «مرّ فى».