صدرت منه بالاختيار وان كان لا يعلم حقيقة اجزائها ودخولها تحت اية مقولة من المقولات.
فالنتيجة ان ملاك صدور الفعل بالاختيار هو سبقه بالالتفات والتصور على نحو الإجمال في مقابل صدوره غفلة وسهواً.
وبعد ذلك نقول : ان أراد الأشعري من العلم بتفاصيل الأفعال العلم بكنهها وحقيقتها الموضوعية فيرده : أولا ان ذلك لا يتيسر لغير علام الغيوب فان حقائق الأشياء بكافة أنواعها واشكالها مستورة عنا ، ولا طريق لنا إليها ، لأن أفكارنا لا تملك قوة إدراكها ، والوصول إلى واقعها ومغزاها وثانياً ـ ان هذا العلم لا يكون ملاكا لاتصاف الفعل بالاختيار ، كما عرفت ، وان أراد منه العلم بما يوجب تمييز الأفعال بعضها عن بعضها الآخر كأن يعلم بان ما يفعله خارجاً ويأتي به شرب ماء مثلا لا شرب خل ، وهكذا وان لم يعلم كنهه وحقيقته فهو صحيح ، كما مر ، إلا ان اللازم على هذا ليس بباطل ، لفرض أن كل فاعل مختار يعلم أفعاله في إطار عناوينها الخاصة
وان أراد منه العلم بحدها التام المشهوري أو برسمها التام أو الناقص فيرد عليه : أولا ـ أن ذلك العلم لا يتيسر لأغلب الناس ، بداهة ان العامي لا يعرف جنس الأشياء ولا فصلها ولا خواصها حتى يعرف حدها التام أو الناقص أو رسمها التام أو الناقص. وثانياً ـ قد سبق ان هذا العلم لا يكون مناطاً لصدور الفعل بالاختيار.
ومن هنا يظهر ان ما ذكره لبيان بطلان اللازم من ان النائم وكذا الساهي قد يفعله باختياره غريب جداً ، بداهة ان ما يصدر منهما من الحركة كالتقلب من جنب إلى جنب آخر أو نحو ذلك غير اختياري ، ولذا لا يستحقان عليه المدح والذم والعقاب والثواب. وقد تقدم ان الالتفات إلى الفعل على نحو الإجمال ركيزة أساسية لاختياريته ، وبدونه لا يعقل صدوره بالاختيار.