تضرب جذورها في أعماق الكوفة ، وينحدر رجالاتها وزعماؤها من المجتمع الكُوفي ، وقد ألمحنا مراراً إلى احتضان هذه المدينة لتناقضات البيئة الإسلامية ، فيجتمع فيها النواصب مع الشيعة ، وتنتعش فيها روايات العثمانيّين إلى جانب روايات مثالب بني أمية ، ويعيش المؤيّدون لخلق القرآن والمعارضون له ، وينشط فيها الأشاعرة وأهل الاعتزال ، ويتصارع فيها أهل الرأي مع أهل الحديث.
إنّ هذا التنوّع في الحاضنة الكُوفية انعكس على المجتمع الشيعي ، فروايات الغلاة لازالت في متناول أيدي المُحَدِّثين ، ومع تقدّم السنين ، كانت طبعات جديدة لمذاهب الغلوّ والإرتفاع تظهر في أزقّة الكوفة ومدارسها ، فظهرت الخطّابية بصورة (الإسماعيلية) ، وانشطر جزء من الخطّابية ليشكّل نواة فرقة (القرامطة) ، وظهرت المفوّضة في سواد الكوفة ؛ وفي مقابل هذا المدّ الفكري والبشري ، تصدّى المُحَدِّثون الكُوفيّون من الشيعة المخلصين لموجات الغلوّ ، وألّفوا مجموعة من الكتب والمصنّفات في الردّ عليهم ، وبيان أوهامهم واشتباهاتهم ، وكثير من مرويّاتهم المكذوبة والموضوعة ، ومن أهمّ المؤلّفين الذين صنّفوا الكتب في الردّ على الغلاة :
١ ـ الحسن بن علي بن فَضّال :
الحسن بن علي بن فَضّال ، أبو محمّد ، الكُوفي ، من كبار المُحَدِّثين ، أدرك الإمام الكاظم عليهالسلام ، كان فطحيّاً مشهوراً كما ذكرنا سابقاً ، لكنّه استبصر