ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد » (١).
وقد يقال بأن مصدر القراءات هو اللهجات ، ولا علاقة لها إذن بصحة السند ، وموافقة كتابة المصحف ، بل الأساس ارتباطها ببعض العرب في لغاتهم القبلية ، وإلى هذا المعنى يشير السيوطي بما أورده أبو شامة عن بعضهم :
« أنزل القرآن بلسان قريش ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عاداتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والأعراب » (٢).
وقد سبق بذلك ابن قتيبة بما تحدث به عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : فكان من تيسيره أن أمره الله بأن يقرئ كل قوم بلغتهم ، وما جرت عليه عادتهم ... ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا ، لاشتد ذلك عليه ، وعظمت المحنة فيه » (٣).
وقد تبنى هذا الرأي الدكتور طه حسين ، فاعتبر اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن كما كان يتلوه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعشيرته قريش ، اعتبر ذلك اساساً لاختلاف القراءات ، فقرأته هذه القبائل كما كانت تتكلم ، فأمالت حيث لم تكن تميل قريش ، ومرت حيث لم تكن تمر ، وقصرت حيث لم تكن تقصر ، وسكنت ، وأدغمت ، وأخفت ، ونقلت (٤).
وهو بهذا يريد أن ينتهي إلى أن اللهجات هي مصدر القراءات ، وهو ينكر تواترها ، وينعى على من رتب أحكاما عريضة على نكرانها ، فيقول : « وهنا وقفة لا بد منها ، ذلك أن قوماً من رجال الدين فهموا أن هذه القراءات السبع متواترة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نزل بها جبريل على قلبه ، فمنكرها كافر من غير شك ولا ريبة ... والحق أن ليست هذه القراءات السبع من
__________________
(١) المصدر نفسه : ٢ / ٦٣٠.
(٢) السيوطي ، الاتقان : ١ / ٤٧.
(٣) ابن قتيبة ، تأويل القرآن : ٣٠.
(٤) ظ : طه حسين ، في الأدب الجاهلي : ٩٥.