إنما كان مصدره الشكل المصحفي الذي استنسخ عن المصحف الإمام. وهي اختلافات لا نقطع بمصدرها الكتابي ، بل نرجحه ، لما ثبت تأريخيا من تواتر نقله ، وقد أحصى أبو داود ذلك في كتاب المصاحف إحصاء دقيقا (١).
وقد أيد هذا الرأي محمد بن جرير الطبري ( في ٣١٠ ه ) بما نقله عنه أبو شامة فقال :
« لما خلت تلك المصاحف من الشكل والإعجام وحصر الحروف المحتملة على أحد الوجوه ، وكان أهل كل ناحية من النواحي التي وجهت إليها المصاحف ، قد كان لهم في مصرهم ذلك من الصحابة معلمون ... فانتقلوا عما بان لهم أنهم أمروا بالانتقال عنه مما كان بأيديهم ، وثبتوا على ما لم يكن في المصاحف الموجهة إليهم ، مما يستدلون به على انتقالهم عنه » (٢).
وما دامت الروايات مختلفة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما يقولون ـ فما المانع أن يكون الحدب على وصول هذه الروايات من مختلف الأسانيد سبباً من تعدد هذه القراءات ، سواء أكانت تلك الروايات صحيحة أم ضعيفة ، وقد أورد من هذا القبيل أبو شامة شواهد على الموضوع ، يتحمل عهدتها (٣). وقد سبقه ابن عطية فأورد عدة روايات تؤكد كثرة الروايات عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على علاتها ، وانتهى فيها إلى القول :
« ثم إن هذه الروايات الكثيرة لما انتشرت عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وافترق الصحابة في البلدان ، وجاء الخلف ، وقرأ كثير من غير العرب ، ووقع بين أهل الشام وأهل العراق ما ذكر حذيفة ... فقرأت كل طائفة بما روي لها » (٤).
وما دام للعرب لهجات ولغات ، فلا ينتفي أن تكون هذه اللغات سبباً
__________________
(١) ظ : ابن أبي داود ، كتاب المصاحف : ٣٩ ـ ٤٩.
(٢) أبو شامة ، المرشد الوجيز : ١٤٩ وما بعدها.
(٣) أبو شامة ، المرشد الوجيز : ٨٦ وما بعدها.
(٤) ابن عطية ، مقدمته ، ضمن مقدمتان في علوم القرآن : ٢٧١.