اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه ، وتنضبط القراءة به ، فعمدوا إلى من اشتهر بالضبط والأمانة وطول العمر في الملازمة للقراءة ، والاتفاق على الأخذ عنه ، فأفردوا إماما من هؤلاء في كل مصر من الأمصار المذكورة ، وهم : نافع وابن كثير وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي » (١).
وبملاحظة ما حققه ابن مجاهد من جمعه للقراءات ، وبيان وجوه الاختلاف فيها ، يتجلى أن الاختلاف ليس من العسر بمكان بحيث قد يؤدي إلى تشويه النص ، أو تغيير الأحكام ، أو اضطراب القراءة ، بل نجد الأعم الأغلب منه إنما يرجع إلى أصول الأداء ، وطريقة التلفظ ، وتحقيق النطق مدغما أو ممالا ، منقوطا أو غير منقوط ، إمداداً وإشماماً ، وهو اختلاف لا يضفي على النص القرآني أي مردود معقد لا يمكن معه الوصول إلى الحقيقة القرآنية ، مما يقرب إلينا القول بأن هذه القراءات إنما اشتبكت وتظاهرت وتفاوتت اجتهاداً في كيفية أداء النطق تارة ، وطريقة تلفظه تارة أخرى ، ومردود اللهجات عليها بين ذلك.
وهذا إنما يجري في القراءات المتواترة رواية مرفوعة ، أو دراية من أصحابها ، ولا ينطبق على القراءات الشاذة التي أصبحت فيما بعد عرضة لزلل الأهواء.
« ولا مرية أنه كما يتعبد بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده ، يتعبد بتصحيح ألفاظه ، وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة. عن أئمة القراء ، ومشايخ الأقراء ، المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية ، التي لا يجوز مخالفتها ، ولا العدول عنها (٢).
وقد بلغت القراءات السبع حد الرضا والقبول عند المسلمين وعلمائهم ، فلم يؤثّر عليها تعدد القراءات ، ولم يؤثّروا عليها سواها.
وكان إلى جنب القراءات اختيار في القراءات قد تشمل هذه القراءات
__________________
(١) العاملي ، مفتاح الكرامة : ٢ / ٣٩١ + القراءات القرآنية.
(٢) القسطلاني ، لطائف الإشارات : ١ / ٢٠٩.