فقال : نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا ، أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا » (١).
وفي ضوء ما تقدم يبدو لنا أن الاختيار عبارة عن استنباط القراءة من خلال النظر الاجتهادي في القراءات السابقة ، والموازنة فيما بينها على أساس السند في الرواية ، أو الوثاقة في العربية ، أو المطابقة في الرسم المصحفي ، أو إجماع العامة ، من أهل الحرمين أو العراقين ، أو الموافقة بين مقرئين ، ومن خلال ذلك نشأت القراءات المختارة.
يقول القرطبي : « وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء ، وذلك أن كل واحد منهم اختار مما روي وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى ، والتزم طريقه ورواه ، وأقرأ به ، واشتهر عنه وعرف به » (٢).
ويرى الدكتور الفضلي : « أن اجتهاد القراء لم يكن في وضع القراءات ـ كما توهم البعض ـ وإنما في اختيار الرواية ، وفرق بين الاجتهاد في اختيار الرواية والاجتهاد في وضع القراءة » (٣).
فإضافة القراءة لصاحبها إضافة اختيار لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد (٤).
ومما يؤيده ما أورد أبو شامة باعتبار القراءة سنة ، والسنة لا مورد فيها للاجتهاد بالمعنى المشار إليه : « ألا ترى أن الذين أخذت عنهم القراءة إنما تلقوها سماعا ، وأخذوها مشافهة ، وإنما القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول ، ولا يلتفت في ذلك إلى الصحف ، ولا إلى ما جاء من وراء وراء » (٥).
__________________
(١) الحافظ الذهبي ، معرفة القراءة : ١ / ١٧١.
(٢) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن : ١٥ / ٤٠.
(٣) الفضلي ، القراءات القرآنية : ١٠٦.
(٤) ابن الجزري ، النشر : ١ / ٥٢.
(٥) أبو شامة ، المرشد الوجيز : ١٣٢.