وجوه القراءات الأخرى ، كما هي الحال عند الكسائي حينما اختار من قراءة حمزة وقراءة من سواه ، وأسس لنفسه بذلك اختياراً (١).
قال ابن النديم : « وكان الكسائي من قراء مدينة السلام ، وكان أولاً يقرأ الناس بقراءة حمزة ، ثم اختار لنفسه قراءة ، فاقرأ بها الناس » (٢).
وقد كان لأبي عمرو بن العلاء اختيار من قراءة ابن كثير ، وهو شيخه ، ومن قراءة غيره ، وأسس بذلك لنفسه قراءة تنسب إليه (٣).
وقد شجعت ظاهرة الاختيار في القراءة على القضاء على النزعة الإقليمية التي انتشرت في نسبه القراءات للأمصار ، إذا امتزجت هذه القراءات في الأغلب نتيجة للاختيار ، فتداخلت قراءة أهل المدينة بقراءة أهل الكوفة ، وقراءة الشام بقراءة العراق ، فلم تعد القراءة فيما بعد إقليمية المظهر ، بقدر ما هي علمية المصدر ، وفي هذا الضوء وجدنا القراء السبعة يمثلون خلاصة التجارب الماضية للقرنين الأول والثاني في العطاء العلمي المشترك بين الأقاليم ، لما في ظاهرة الاختيار لدى أئمة الأقراء من عناصر مختلف القراءات ، حتى وحدت ونسبت منفردة إلى عاصم ، أو نافع ، أو الكسائي ، وهي عصارة قراءة لمصرين ، أو قراءات لأمصار ، تتفق مع قراءة بوجه ، وتختلف مع قراءة بوجه آخر ، وتجمع بين هذين بما ألف قراءة منظورة متميزة ، تعني تجارب السابقين ، وعطاء المتخصصين. حتى وقف الاختيار على أعتاب القرن الرابع ، حيث بدأ ابن مجاهد في حفظ القراءات والاختيارات ، دون التفكير بتجديد ظاهرة الاختيار التي لم تعد من هموم هؤلاء الأعلام أمثال ابن مجاهد ، بل اتجهت هممهم إلى صيانة تلك القراءات ، لا إلى الاختيار.
فقد روى الذهبي عن عبد الواحد بن عمر بن أبي هاشم ، وهو تلميذ ابن مجاهد ، قال :
« سأل رجل ابن مجاهد ، لم لا يختار الشيخ لنفسه حرفاً يحمل عليه ؟
__________________
(١) ظ : المصدر نفسه : ٧٨.
(٢) ابن النديم ، الفهرست : ٣٠.
(٣) ظ : ابن الجزري ، غاية النهاية : ٢ / ٣٧٦.