ولقد تعجل بعض النقاد من المستشرقين ، حين ألموا بهذه الدلائل النفسية ، والإمارات الشكلية الخارجية التي لا تنتاب الوعي إطلاقاً ، ولا تؤثر على الإدراك في حال ، فاعتبروها ـ مخطئين ـ أعراضاً للتشنج تارة ، وللإغماء تارة أخرى . « وهذا الرأي يشمل خطأ مزدوجاً حين يتخذ من هذه الأغراض الخارجية مقياساً يحكم به على الظاهرة القرآنية بمجموعها ، ولكن من الضروري أن نأخذ في اعتبارنا قبل كل شيء الواقع النفسي المصاحب ، الذي لا يمكن أن يفسر أي تعليل مرضي . . . فإذا نظرنا إلى حالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وجدنا أن الوجه وحده هو الذي يحتقن ؛ بينما يتمتع الرجل بحالة عادية ، وبحريّة عقلية ملحوظة من الوجهة النفسية ، بحيث يستخدم ذاكرته استخداماً كاملاً خلال الأزمة نفسها ، على حين يمحى وعي المتشنج وذاكرته خلال الأزمة ، فالحالة ـ إذن ـ ليست حالة تشنّج .
هذا التلازم الملحوظ بين ظاهرة نفسية في أساسها ، وحالة معينة ، هو الطابع الخارجي المميَّز للوحي » (١) .
وهكذا كان لظاهرة الوحي عند بعض المستشرقين تفسيرات خاطئة ، أملاها حقد ودجل وافتراء ، فقد كان الوحي على حد زعمهم أثراً لنوبات الصرع التي تعتري الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان يغيب عن صوابه ، ويسيل منه العرق ، وتعتريه التشنجات ، وتخرج من فيه الرغوة ، فإذا أفاق من نوبته ذكر أنه أوحي إليه ، وتلا على المؤمنين به ما يزعم أنه وحي من ربه (٢) .
ومع ما في هذا الزعم من الكذب المضحك ، والغض المتعمد من منزلة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الرسالية ، فالطريف أن ينبري له المستشرقون أنفسهم ، لا سيما هنري لامنس ، وفون هامر ، وأمثالهما ، للرد عليه ، إلا أن في طليعة هؤلاء جميعاً السير وليم موير ( ١٨١٩ م / ١٩٠٥ م ) (٣) .
لقد فند هذا الباحث المحايد في كتابه ( حياة محمد ) مزاعم الجهلة الحاقدين ، وعقب على ظاهرة الوحي وأعراضها الخارجية بقوله : « وتصوير
__________________
(١) مالك بن نبي ، الظاهرة القرآنية : ١٨٢ .
(٢) ظ : بكري أمين ، التعبير الفني في القرآن : ١٨ .
(٣) Sir William Muir , life of Mohammad , p . ( ١٤ – ٢٩ ) .