وقد سلك في كشف تأريخ السور مسلكا قويما يهدي إلى الحق احياناً ، فإنه جعل الحروب والغزوات الحادثة في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلم تأريخها كحرب بدر والخندق وصلح الحديبية وأشباهها من المدارك لفهم تأريخ ما نزل من القرآن ، وجعل اختلاف لهجة القرآن وأسلوبه الخطابي ، دليلاً آخر لتأريخ آياته ، وهو يرتاب في بحثه التحليلي في الروايات والأحاديث وأقوال المفسرين في تأريخ القرآن ، وفي عين الحال يأخذ من مجموعها ما يضيء فكره ، ويرشده على تأريخ السور والآيات ونظمها احياناً (١).
وقد ظهرت في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر محاولات لترتيب سور القرآن ، ودراسة مراحله التأريخية ، منها محاولة وليم موير الذي قسم المراحل القرآنية إلى ست ، خمس منها في مكة وسادستها في المدينة. ومنها محاولة ويل التي بدأها سنة ١٨٤٤ م ، ولم تتخذ صورتها النهائية إلا سنة ١٨٧٢ ، وقسم في ضوئها المراحل القرآنية إلى أربع : ثلاث في مكة ورابعة في المدينة ، فتابعه على ذلك نولدكه وشفالي ، وتأثر بذلك كل من ، بل وبلاشير (٢).
إلا أن هؤلاء جميعاً قد رفضوا الأثر والروايات في تأريخ النزول مما خالفوا به مصدراً رئيسياً من مصادر التعيين في ترتيب النزل ، وذلك عن طريق الجمع بين الروايات وغربلتها ، والأخذ بأوثقها.
وقد أورد ابن حجر عن الإمام علي عليهالسلام : أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وخرجه ابن أبي داود (٣).
وأيد وجود ذلك صاحب الميزان وتحدث عن خصوصياته (٤).
وقد أثبت في « كتاب المباني لنظم المعاني » جدول لهذا الترتيب الزمني (٥).
__________________
(١) ظ : المؤلف ، المستشرقون والدراسات القرآنية : ٨٨ وما بعدها.
(٢) ظ : صبحي الصالح ، مباحث في علوم القرآن : ١٧٦ وانظر مصادره.
(٣) ظ : السيوطي ، الاتقان : ١ / ٢٠٢ + الزنجاني ، تأريخ القرآن : ٤٨.
(٤) ظ : الطباطبائي ، القرآن في الإسلام : ١٣٤ ـ ١٣٨.
(٥) مقدمتان في علوم القرآن : ١٤.