القراءات كما كانت في عهد الرسول الأعظم ، ونحن وإن كنا لا ننكر جزءاً ضئيلاً من هذا ، إلا أن الواقع المرير لتلك الروايات القائلة باختلاف القراءات في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تستند إلى حقيقة تأريخية معينة يصرح فيها بنوعية هذا الاختلاف في القراءة ، ولا تعطينا نماذج مقنعة بكيفية هذه القراءات المختلفة ، بل تذهب مذاهب التعميم الفضفاض الذي لا يقره المنهج العلمي ، وذلك أن الاختلاف المدعي في القراءات بعهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعرض بروايات ، تنقصها الدقة والوضوح والتحديد ، فتارة يطلق فيها التجوز بالأحرف السبعة بما لا دلالة فيه كما تقدم ، وتارة تنسب الاختلاف إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكأنه مصدر من مصادر الفرقة في القراءات بينما العكس هو الصحيح لما رأيناه ـ فيما سبق ـ أن الاختلاف في القراءات جر المسلمين إلى صراع داخلي ونزاع هامشي تحسس الصحابة إلى خطره على القرآن فجمعوهم على قراءة واحدة (١).
وتارة تدعي هذه الروايات أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أقرأ هذا بقراءة ، وغيره بقراءة أخرى ، وحينا يدعى بأن أحد الصحابة قد سمع من صحابي مثله قراءة ما ، لسورة ما ، تختلف عما سمعه هو من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم تحاكموا للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فصحح القراءتين ، أما : ما هي هذه السورة المختلفة الحروف ، وما هو عدد آياتها المتعددة القراءة ، وما هي كيفية هذا الاختلاف ونوعية فروقه ، فلم يصرح بجميع ذلك ، مما يجعلها روايات قابلة للشك ، ومع حسن الظن بالرواة فإن رواياتهم تلك قد تعبر عن السهو والاشتباه.
إننا لا ننكر الاختلاف في القراءات بعهد مبكر ، فباستعراض تأريخ الموضوع يبدو أن تمايز القراءات كان موجوداً قبل توحيد القراءة زمن عثمان ، فقد أشير إلى كثرة الاختلاف بعهده ، حتى قال الناس : قراءة ابن مسعود ، وقراءة أبي وقراءة سالم (٢).
ولكننا نبقى مصرين أن وجهة التعميم في الروايات تبقى هي المسيطرة ، وعدم وضوح الرؤية يظل مخيما ، إذ أننا نحتاج بمثل هذا
__________________
(١) ظ : فيما سبق ، جمع القرآن.
(٢) ظ : مقدمتان في علوم القرآن : ٤٤.