الرحمة ، ويجمع المسلمين على حرف واحد ، ثم ما عدا مما بدا ؟ فإن كان في المسلمين الأوائل من يعجز عن تلاوة القرآن حق تلاوته ، أو أن ينطق به كما نزل فتجوّز بالأحرف السبعة تيسيراً ، وهم أبلغ العرب ، فما بال المسلمين في عصر عثمان ، وما ذنبنا نحن في هذا العصر الذي انطمست به خصائص العربية حتى شدد علينا في حرف واحد .
ولسنا بصدد دفع هذا الحديث الآن ، ولكننا بصدد ردّ دعوى من لا يرى للخط المصحفي أي أثر في تعدد القراءات واختلافها ، إذ لو كان الأمر كذلك لما كانت موافقة خط المصحف أساساً لقراءات عدة ، وميزاناً للرضا والقبول والاعتبار ، وما ذلك إلا لتحكم الخط بالقراءة . ولا نريد أن نتطرف فنحكم بأن الخط المصحفي هو السبب الأول والأخير في تفرع القراءات القرآنية ، ولكن نرى أن جزءاً كبيراً من اختلاف القراءات قد نشأ عن الخط المصحفي القديم ، باعتباره محتملاً للنطق بوجوه متعددة .
قال القسطلاني ( ت : ٩٢٣ هـ ) مشيراً إلى ذلك : « ثم لما كثر الاختلاف فيما يحتمله الرسم ، وقرأ أهل البدع والأهواء بما لا يحل لأحد تلاوته ، وفاقاً لبدعتهم . . . رأى المسلمون أن يجمعوا على قراءات أئمة ثقات تجردوا للأغنياء بشأن القرآن العظيم » (١) .
وتابعه على هذا الدمياطي البنا ( ت : ١١١٧ هـ ) وصرح بالأسباب ذاتها (٢) .
فقد كان لاحتمال الرسم ، ما تطاول به أهل البدع فيقرؤون بما لا تحل تلاوته ، ولا تصح قراءته ، ومعنى هذا أن قراءات ما قد نشأت عن هذا الملحظ ، فاحتاط المسلمون لأنفسهم بقراءات أئمة ثقات لدفع القراءات المبتدعة .
وقد يقال : بأن الاختلاف في القراءات مما شاع في حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكره ، وأن هذه القراءات السبع أو العشر أو الأكثر إنما تبرز بالمشافهة تلك
__________________
(١) القسطلاني ، لطائف الإشارات : ١ / ٦٦ .
(٢) الدمياطي ، اتحاف فضلاء البشر : ٥ .