القراءات يكاد ينحصر بالاستدلال بحديث : ( ان هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ما تيسر منه ) (١) ليقال بأن الاختلاف روائي وليس كتابياً ، والحق أن المسلمين إلى اليوم لم يصلوا إلى مؤدى هذه الرواية ، ولا يمكن أن يحتج بغير الواضح ، فما زال الخلاف قائماً في معنى هذا الحديث وترجمته ، على أنه معارض ـ كما سترى ـ بحديث إنزال القرآن على حرف واحد . على أنه لا دلالة في هذه الحروف السبعة على القراءات السبعة إطلاقاً ، وإذا كان القرآن قد نزل على سبعة أحرف . فالإنزال ـ حينئذ ـ توقيفي ، ووجب على الله تعالى حفظه وصيانته ، لأنه ذكر ، والذكر قرآن ، والقرآن مصان لقوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) ) (٢) .
ولقائل أن يتساءل : أين هذه الأحرف السبعة في القرآن ، وهلا يدلنا أحد عليها ، ولم يتفق المفسرون بل المسلمون على المعنى المراد من هذه الأحرف ، ولا يصح الاحتجاج بما لا يفهم معناه ، ولا يقطع بمؤداه ، إذ هو احتجاج بما لا يعرف ، وأخذ بما لا يراد ، واعتماد على ما لا يبين ، والالتزام بهذا باطل دون ريب .
وإذا كانت الأحرف السبعة منزلة من قبل الله تعالى بواسطة الوحي الذي أوحاه الروح الأمين جبرائيل عليهالسلام ، فمعنى ذلك أنها من القرآن الإلهي ، وإلا فمن التشريع الإلهي الذي لا يرد ولا ينقض إلا أن ينسخ ، وما ادعى أحد بنسخ ذلك من القائلين به .
وقد يقال ـ مع عدم وضوح الدلالة ـ أن هذه الأحرف مما خفف به عن الأمة لوجود الشيخ والصبي والعجوز وما إلى ذلك كما في بعض الروايات (٣) .
وإذا كان ذلك مما خفف به عن الأمة ، فكيف يجوز لأحد أن يشدد عليها ، وإذا كان ذلك للرحمة فكيف صح لعثمان ( رض ) أن يتجاوز هذه
__________________
(١) ظ : الطبري ، جامع البيان : ١ / ١١ ـ ٢٠ + البخاري ، الجامع الصحيح ٦ / ٢٢٧ .
(٢) الحجر : ٩ .
(٣) ظ : أبو شامة ، المرشد الوجيز : ٧٧ ـ ٨٩ .