أقبلت عليه بطلاقة وجه وبشاشة وسؤال عن حاله ، واستحييت أن أسأله من هو وأين وطنه؟ ثمّ شرعت في البحث ، فجعل الرجل يتكلّم في المسألة التي نبحث عنها بكلام كأنّه اللؤلؤ المتساقط فبهرني كلامه ، فقال له بعض الطلبة : اسكت ما أنت وهذا ، فتبسّم وسكت.
قال رحمه الله : فلمّا انقضى البحث قلت له : من أين كان مجيؤك إلى الحلّة؟ فقال : من بلد السليمانية ، فقلت : متى خرجت؟ فقال : بالأمس خرجت منها ، وما خرجت منها حتّى دخلها نجيب باشا فاتحاً لها عنوة بالسيف وقد قبض على أحمد باشا الباباني المتغلّب عليها ، وأقام مقامه أخاه عبد الله باشا ، وقد كان أحمد باشا المتقدّم قد خلع طاعة الدولة العثمانية وادّعى السلطنة لنفسه في السليمانية.
قال الوالد قدسسره : فبقيت مفكّراً في حديثه وأنّ هذا الفتح وخبره لم يبلغ إلى حكّام الحلّة ، ولم يخطر لي أن أسأله كيف وصلت إلى الحلّة وبالأمس خرجت من السليمانية ، وبين الحلّة والسليمانية ما تزيد على عشرة أيّام للراكب المُجدّ. ثمّ إنّ الرجل أمر بعض خدمة الدار أن يأتيه بماء ، فأخذ الخادم الإناء ليغترف به ماء من الحبّ فناداه لا تفعل! فإنّ في الإناء حيواناً ميّتاً فنظر فيه ، فإذا فيه سام أبرص ميّت فأخذ غيره وجاء بالماء إليه ، فلمّا شرب قام للخروج ، قال الوالد قدسسره فقمت لقيامه ، فودّعني وخرج ، فلمّا صار خارج الدار قلت للجماعة هلاّ أنكرتم على الرجل خبره في فتح السليمانية فقالوا : هلاّ أنكرت عليه!.