ترتعُ ما غفلت حتّى إذا ادّكرتْ |
|
فإنّما هي إقبال وإدبار (١) |
تصف بقرة وإنّما أرادت ما ذكرناه من كثرة وقوع الإقبال والإدبار منها.
ويشهد له : (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) (٢) ، ويطابقه : (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) ؛ لأنّه وصفهم بكثرة العجلة وأنّ من شأنهم فعلها ؛ توبيخاً لهم وتقريعاً ...
وثانيها : ما أجاب به أبو عبيدة وقطرب بن المستنير وغيرهما من أنّ في الكلام قلباً ، والمعنى : (خلق العَجَل من الإنسان) واستشهد عليه بقوله : (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكبَرُ) (٣) ، أي : (قد بلغت الكبر) وبقوله : (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِـالْعُصْبَةِ) (٤) ، والمعنى : (إنّ العصبة تنوء بها) ، وبقولهم : عرضت الناقة على الحوض.
ويقال لصاحب هذا الجواب : ما المعنى والفائدة في قوله : (خلق العجل من الإنسان)؟ يريد أنّه تعالى خلق في الإنسان العجلة؟ فهذا لا يجوز ؛ لأنّ العجلة فعل من أفعال الإنسان فكيف تكون مخلوقة فيه لغيره! ولو كان كذلك لما نهاهم عن الاستعجال لأنّه لا ينهاهم عمّا خلقه فيهم.
فإن قالوا : لم نرد أنّه خلقها ؛ لكنّه أراد كثرة فعل الإنسان لها ، قيل لهم : هذا هو الجواب المتقدّم من غير حاجة إلى القلب والتقديم والتأخير ؛ لأنّ القلب مجاز أوّلاً ، ثّم هو من أبعد المجاز ، وذكر العَجَلَ والمراد به غيره مجاز آخر ، وإقامة (من)
__________________
(١) الشعر للخنساء تصف بقرة ، الديوان : ٣٨.
(٢) الأنبياء : ٢٧.
(٣) آل عمران :٤٠.
(٤) القصص : ٧٦.