وبالفعل فإنّه لم تكن هناك معالم واضحة ومدرسة متكاملة للإمامية تتكفّل بيان أصول وأركان وقواعد هذا الفنّ بنحو مستقلٍّ ، وإلاّ فممّا لا شكّ فيه وكما يقول الشهيد الصدر قدسسره : «إنّ بذرة التفكير الأصولي وُجدت لدى فقهاء أصحاب الأئمّة منذ أيّام الصادِقَين عليهماالسلام على مستوى تفكيرهم الفقهي ، ومن الشواهد التاريخية على ذلك ما ترويه كتب الحديث من أسئلة ترتبط بجملة من العناصر المشتركة في عملية الاستنباط وجَّهها عدد من الرواة إلى الإمام الصادق وغيره من الأئمّة وتلقّوا جوابها منهم»(١).
وهذا الكلام منه قدّس سرّه يشير بوضوح إلى أنّه كانت هناك أفكار أصولية لكنّها متناثرة هنا وهناك ولم تنهض إلى مستوى النظرية إلاّ في زمان متأخّر عن ذلك العصر ، أعني عصر الشيخ المفيد المتوفّى سنة (٤١٣هـ).
وإليك اختصار لما ذُكر من تلك المدارس حتّى القرن الثالث عشر الهجري (زمان الشيخ صاحب الجواهر) ، كي يتبيّن طبقاً لهذه الدراسة الترابط بين الأفكار الأصولية التي تطوّرت تدريجاً على مدى المئات من السنين.
المدارس الأصولية من القرن الخامس وحتّى القرن الثالث عشر الهجري (زمان صاحب الجواهر) :
أوّلاً : مدرسة القرن الخامس الهجري :
وأركان هذه المدرسة أربعة فقهاء عظام صنّفوا أربعة كتب مستقلّة في
__________________
(١) المعالم الجديدة للأصول : ٤٧.