الله تبارك وتعالى ، يسبّح في نورانية الحضرة المقدّسة ، ولهذا كان «أولياء الله لا يتلذّذون بشيء كالدعاء ، فإنّهم يكشفون لدى محبوبهم الحقيقي كلّ طموحات وآمال قلوبهم ويهمّهم الدعاء نفسه والطلب والاحتياج ، أكثر ممّا تهمّهم مطالبهم وتحقيق آمالهم ، لا يشعرون بالملل والتّعب أبداً في تلك اللحظات»(١). فهي لحظات اللقاء بالمعشوق الأزلي.
وقد يورد إشكال وهو إذا كان الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد ، فما جدوى الكلمات التي يخاطب بها العبد ربَّه عزّ وجلّ طالباً منه حوائجه ، ولدفع الضرر عنه ، فيردُّ ذلك الإمام الصادق عليهالسلام : «إنّ الله تبارك وتعالى ليعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكن يحبّ أن يبثّ إليه الحوائج ، وإذا دعوت فسمّ حاجتك وما من شيء أحبّ إلى الله سبحانه من أن يُسألَ»(٢).
من هذا المفهوم جاءت فكرة هذا البحث وهي إبراز أثر الدعاء على الروح الجهادية للمؤمنين ، مستنداً إلى أدعية سيّد الساجدين الإمام زين العابدين عليهالسلام ولا سيّما دعاء الثغور الذي يعدُّ بحقّ أكبر زاد يتزوّد به المجاهد ، فهذا الدعاء فيه من الطاقة الإيجابية ما يستنهض المقاتلين لحفظ البلاد والعباد من أعداء الله تعالى والإنسانية.
واقتضت خطّة البحث أن تقسّم على مبحثين أحدهما : يدرس الدلالة
__________________
(١) الدعاء ، مرتضى مطهّري : ٧.
(٢) الدعوات ، قطب الدين الراوندي : ٥.