المطلب الأوّل : دلالة التنكير :
لقد عرَّف المعجميّون النكرة بتعاريف متعدّدة ، تكاد تكون متقاربة ، يجمعها جامع عامّ وهو أنّها كلّ ما دلّ على شيء مجهول(١) ، أمّا النحاة فقد وضعوا حدوداً لها أيضاً حالهم بذلك حال المعجميّين وتكاد تكون متشابهة كذلك ، فحدَّها ابن السرّاج (٣١٦ هـ) بأنّها : «كلُّ اسم عَمّ اثنَينِ فصاعداً»(٢) ، وعرّفها الزجّاجي بقوله : «كلُّ اسم شائع في جنسِه ، ولا يُخَصُّ به واحد دون آخر»(٣) ، وعرّفها الشريف الجرجاني (٨١٦ هـ) بأنّها : «ما وُضِعَ لشيء لا بعينهِ ، كرجل ، وفرس»(٤).
وقد عرّفها البلاغيّون بتعريفات تكاد تكون تعريفات النحاة أنفسهم. قال الجرجاني : «إن النكرةَ ما عَمّ شيئين فأكثر ، وما أريدَ به واحدٌ من جنس لا بعينه»(٥).
والذي يُفهَم من هذه التعريفات أنَّ النكرةَ تفيد العموم والشمول ، فلو قلتَ : رأيتُ إنساناً. لدلَّت لفظة (إنسان) على كلّ شخص يصدق عليه هذا المسمّى.
وبهذا المعنى ذهب النُّحاة إلى أنّ الأصل هو النكرة ، لأنّها تفيد العموم ، فإذا أردت أن تخصّص أتيت بالمعرفة. قال سيبويه : «واعلَمْ أنّ النكرةَ أخَفُّ عليهم
__________________
(١) ينظر : الصحاح (نكر) ؛ القاموس المحيط (نكر).
(٢) الأصول في النحو ١ / ١٧٥.
(٣) الجمل في النحو : ١٧٨.
(٤) التعريفات : ٢٤٢.
(٥) أسرار البلاغة : ٩٥.