الفائدة الثالثة : في فائدة الإجازة :
فاعلم أنّ فائدتها المتّفق عليها هي أنّ المجاز له يصير بها راوياً متّصل الأسناد بالراوي له عنه ، وبدونها لا يصير راوياً وإن صحّ إسناد الكتاب مثلاً إلى مصنّفه بدونها ، لكن صحّة إسناد ذلك إلى مصنّفه لا يلزم منه أن يكون المسند إليه راوياً له عنه حيث لم يحدّثه به لفظاً ولا معنى ، فلا يصحّ أن يقول غير المجاز : (أخبرنا) أو (حدّثنا) أو (أنبأنا) بدون الإجازة ، بل لا خلاف بينهم في منع الرواية بالوجادة ، لما ذكرنا من عدم الإخبار فلا يجوز الرواية والتحديث بدون الإجازة وإن جاز العمل بالرواية على الأصحّ ، خلافاً لجماعة من المعاصرين حيث منعوا العمل بدون الرواية واستدلّوا بوجوه لو تمّت لدلّت على عدم جواز الرواية بدون الإجازة لا على عدم جواز العمل إلاّ بالرواية ، وقد أجبت عن تلك الوجوه في كتابي بُغية الوعاة في طبقات مشايخ الإجازات.
وبالجملة الرواية بالإجازة كأن يقول : (أخبرنا إجازة) أو (حدّثنا إجازةً) أو (أنبأنا إجازةً) في قوّة الإخبار والسماع ، والفرق بينهما الإجمال والتفصيل فإنّ الإجازة عرفاً في قوّة الإخبار بروايات جملة ، فهي كما لو أخبره تفصيلاً ، والإخبار غير متوقّف على التصريح نطقاً كما في القراءة على الشيخ والغرض حصول الإفهام وهو متحقّق بالإجازة التي هي اليوم أرجح من السماع ، كما أنّ السماع كان أرجح قبل جمع الكتب الأربع(١) ؛ لأنّهم كانوا يلتقطون الروايات من الأُصول والكتب التي تحتاج إلى السماع خوفاً من التلبيس والتدليس ، وبعدما جمع
__________________
(١) الصحيح : الأربعة.