إنّ مناقشة أيّ نظرية علمية يتطلّب دراسة خلفيّتها التاريخية ، وإنّ النظريّات العلمية في مسارها التاريخي إنّما تتبلور وتتطوّر جرّاء تعاطيها مع الجوّ الاجتماعي والثقافي والعلمي السائد هناك مضافاً إلى تأثيرها وتأثّرها بسائر النظريّات الأخرى المماثلة لها من خلال ما تبديه من تفاعل وردّة فعل اتجاهها والتي تأتي تارة لسدّ الثغرات أو لرفع إشكالات تلك النظريّات. وبناءً على ذلك فإنّه من الطبيعي أن لا نتوقّع من العلماء الإسلاميّين والمفسّرين في القرون الأولى ـ في منطقة ما وراء النهر أو حتّى في المدينة والكوفة والبصرة ـ ما حدث من تبلور في عملية التنظير في باب وجوه إعجاز القرآن وبلوغها أوجها في القرن الخامس وما بعده في بغداد. وعلى الرغم من أنّ المصادر الإسلامية والروايات التاريخية قد نقلت لنا العديد من الأخبار في ردّ المعارضين في القرنين الأوّل والثاني الهجريّين مثل مسيلمة وابن المقفّع وفشلهم إلاّ أنّه لم نحصل على أيِّ مَعلَم من معالم تكوّن وتبلور نظرية إعجاز القرآن وبيان وجوه إعجازه في كلا هذين القرنين.
إنّ المؤلّفات الإسلامية التي بدت معالمها العلمية لائحةً في أواسط القرن الثالث الهجري في سائر المجالات العلمية ـ مثل التفسير ، علوم القرآن ، الفقه ، الحديث ، السيرة ، الكلام ، الملل والنحل ، والأدب وأمثالها ، مضافاً إلى الأبحاث
__________________
Poetics and eloquence as a platform of inter ـ cultural contacts and contrasts" Arabica : Journal of Arabic and Islamic Studies ٥٦ (٢٠٠٩) pp. ١ ـ ٢٦. Yudian Wahudi, "The debate about the Sarfa : pro and against"The Islamic Quarterly (London) ٤٦iii (٢٠٠٢) pp. ٢٣٥ ـ ٢٤٦.