والمحدّثون وحتّى الأدباء الذين لهم ميول للأبحاث القرآنية لم يَروا ضرورة في التنظير في باب وجوه إعجاز القرآن ، ويتجلّى هذا الأمر بوضوح عندما نلاحظ تبلور وتطوّر الأساليب المختلفة في تفسير القرآن ، وازدهار أنواع العلوم القرآنية المختلفة ، وكذلك النظريّات المتنوّعة في سائر الأبحاث القرآنية في خلال القرون الثلاثة الأولى. ولمزيد من التوضيح لابدّ لنا من مقارنة بين موضوع عدم التنظير في باب إعجاز القرآن وبيان وجوه إعجازه في القرون الأولى وبين سائر الأبحاث القرآنية والتفسيرية المهمّة في نفس تلك الحقبة. بعض هذه الأبحاث هي عبارة عن : الروايات المنقولة من سنن اليهود في تفسير القرآن (الإسرائيليّات) ، ذكر أسباب النزول أو حتّى جعلها ، جعل ووضع الكثير من الروايات في فضائل القرآن وفضائل السور ، المباحث المتعلّقة بوجود وعدم وجود المفردات الدخيلة في القرآن ، المجاز في القرآن ، متشابه القرآن ، غريب القرآن ومشكله ، الناسخ والمنسوخ ، كيفية جمع القرآن وتدوينه ، رسم المصحف وكُتُب المصاحف ، قراءات القرآن و ... التي تعدّ جميعها من الأبحاث السائدة لدى المسلمين في أجوائهم العلمية في القرون الثلاثة الأولى ، حيث تتجلّى هذه الأبحاث في نهاية القرن الثالث بوضوح في تفسير الطبري.
لا يوجد أيّ أثر لموضوع إعجاز القرآن وبيان وجوه إعجازه في المصنّفات القرآنية والتفسيرية للقرون الثلاثة الأولى ، مثل : كتاب الأشباه والنظائر (لمقاتل ت١٥٠ هـ) ؛ الوجوه والنظائر في القرآن الكريم (لموسى بن هارون ت١٧٠ هـ) ؛ متشابه القرآن (للكسائي ت١٨٩ هـ) ؛ مجاز القرآن وفضائل القرآن (لأبي عبيدة