وحتّى القاضي عبد الجبّار(١) يتّهم جماعة مثل أبي الحفص الحدّاد ، أبي عيسى الورّاق ، ابن الراوندي ، الحصري ، محمّد بن زكريّا الرازي (ت ٣٢٠ هـ) ويعقوب ابن إسحاق الكندي (الفيلسوف المتوفّى بعد سنة ٢٥٧ هـ) بإنكار النبوّة.
إنّ الرعيل الأوّل من المجيبين على السؤال الآنف الذكر وإن كانوا ينتسبون إلى المعتزلة بأسرهم إلاّ إنّهم اختلفوا في نمط الإجابة عن هذا السؤال فيما بينهم ؛ فالرهط الأوّل ـ أي : معتزلة البصرة والشيعة الزيدية التابعون لهم(٢) ـ كانوا يعتقدون أنّ القرآن كسائر معجزات الأنبياء ـ موسى وعيسى ـ فهو في حدّ ذاته معجزة وآية نبوّة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، ولذلك فإنّ الإعجاز مكنون في ذات البيان القرآني وبعبارة أدقّ : إنّ الإعجاز مكنون في النظم القرآني(٣). والرهط الثاني والذي يمكن أن نسمّيهم معتزلة بغداد الأوائل ، فإنّهم لم يصرّوا على معجزة نظم ومعجزة تأليف القرآن ؛ فإنّهم يعتقدون كون القرآن معجزاً إنّما هو بسبب ما أوجده الباري عزّ وجلّ من مانع حيث اشتهر هذا الأمر اصطلاحاً بنظرية (الصرفة). إنّ من أهمّ الشخصيّات من بين الزيدية الأوائل هو الإمام القاسم بن إبراهيم الرسّي (ت ٢٤٦ هـ) ، حيث كان على تواصل علميّ مع المعتزلة ومع المسيحيّين(٤) وهو من أقدم
__________________
(١) تثبيت دلائل النبوّة ٢ / ١٣٧٤.
(٢) إنّ أهمّ كتاب بحث في تأثير المعتزلة الأوائل على الزيدية هو كتاب ويلفرد مادلونغ تحت عنوان (الإمام القاسم بن إبراهيم والتعاليم الكلامية للزيدية) :
Wilferd Madelung, Der Imam al ـ Qasim Ibn Ibrahim und die Glaubenslehre der Zaiditen, Berlin ؛ Walter de Gruyter ١٩٦٥.
(٣) Martin, p.١٧٦.١٨١.
(٤) للتعريف بكتابه المعنون بـ : الردّ على النصارى انظر : Thomas, ١/٥٤٢ ـ ٥٤٣